تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أبو تيمية]ــــــــ[16 May 2005, 05:15 م]ـ

سابعا: أن محل التحدي جاء مصرحا – كما أشرت قبل – في الآيات بأنه في القرآن، فقال تعالى? وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين?.

فالمشار إليه في الآيات هو هذا القرآن، و طلب الإتيان بالمثل = كان به كلِّه، أو بسور أو بسورة منه، و كلها دالة على المماثلة في شيء ظاهر لا شيء خفي، ثم إنه طالبهم بالاستعانة في ذلك بمن يستطيعون، و في هذا دلالة على أن مثله ليس في مقدور فرد معارضته؛ و لا كذلك في مقدور جميع الثقلين؛ و لو كان التحدي في دعوى نسبته إلى الله = لكان هذا مقدورا لكل أحد، كما فعل مسليمة الكذاب.

فصنيعه منتقض – مع أنه نسبه إلى الله – لكن لم يكن أبدا مثل كلام الله في لفظه و معناه و نظمه، و لهذا كانت عبارة الصديق دقيقة المعنى و اللفظ حيث قال: ((إن هذا كلام لم يخرج من إِلٍّ، أي: من ربٍّ)).

و لم يقل: لم ينسبه إلى الله، أو لم يدع أنه كلام الله؛ لأن الواقع يدل على خلافه، و أن مسليمة زعم أنه وحي من الله إليه.

تلكم هي أوجه بطلانه، و هناك غيرها، لكن فيما ذكرت كفاية.

و قبل الختام أسلط الضوء عن بيان مواقع الإعجاز في الكلام الإلهي الخالد

فأقول: إن العلماء المتقدمين منهم و المتأخرين لما خاضوا في غمار البحث عن موقع الإعجاز في كتاب الله إنما كان دافعهم إلى ذلك معرفة ما الذي أعجز الكفار بل الثقلين عن الإتيان بمثل كلام الله.

فإنه لما جاء التحدي الإلهي في الإتيان بمثل سورة من كلامه أو سور منه أو بمثله كله = عجزت الخليقة كلها – وحق لها أن تعجز؛ لأن المتحدى به هو كلام الله – حينئذ لجأ العلماء إلى البحث في أثر هذا التحدي و محله في كتاب الله.

و هي المميزات التي تميز بها هذا الكلام الإلهي و خالف بها سائر الكلام.

و لقد وقفت على كلام كثير لشيخي الإسلام ابن تيمية و ابن القيم في قضية الإعجاز و مواقعه في كتاب الله =رأيت أنه يحسن بي سياقها.

قال شيخ الإسلام: ((وكون القرآن أنه معجزة ليس هو من جهة فصاحته وبلاغته فقط، أو نظمه وأسلوبه فقط، ولا من جهة إخباره بالغيب فقط، ولا من جهة صرف الدواعي عن معارضته فقط، ولا من جهة سلب قدرتهم على معارضته فقط، بل هو آية بينة معجزة من وجوه متعددة:

1 - من جهة اللفظ، 2 - ومن جهة النظم 3 - ومن جهة البلاغة في دلالة اللفظ على المعنى 4 - ومن جهة معانيه التي أخبر بها عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وملائكته وغير ذلك

5 – و من جهة معانيه التي أخبر بها عن الغيب الماضي وعن الغيب المستقبل 6 - ومن جهة ما أخبر به عن المعاد 7 - ومن جهة ما بين فيه من الدلائل اليقينية والأقيسة العقلية التي هي الأمثال المضروبة كما قال تعالى ? ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا? و قال تعالى? ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا? وقال ?ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون?.

و كل ما ذكره الناس من الوجوه في إعجاز القرآن هو حجة على إعجازه ولا تناقض في ذلك، بل كل قوم تنبهوا لما تنبهوا له.

ومن أضعف الأقوال قول من يقول من أهل الكلام إنه معجز بصرف الدواعي مع تمام الموجب لها أو بسلب القدرة التامة أو بسلبهم القدرة المعتادة في مثله سلبا عاما مثل قوله تعالى لزكريا ?آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا? و هو أن الله صرف قلوب الأمم عن معارضته مع قيام المقتضي التام؛ فإن هذا يقال على سبيل التقدير والتنزيل، وهو أنه إذا قدر أن هذا الكلام يقدر الناس على الإتيان بمثله فامتناعهم جميعهم عن هذه المعارضة مع قيام الدواعي العظيمة إلى المعارضة = من أبلغ الآيات الخارقة للعادات بمنزلة من يقول: إني آخذ أموال جميع أهل هذا البلد العظيم وأضربهم جميعهم وأجوِّعهم وهم قادرون على أن يشكوا إلى الله أو إلى ولي الأمر وليس فيهم مع ذلك من يشتكي = فهذا من أبلغ العجائب الخارقة للعادة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير