و قال رحمه الله 2/ 793 - 794 في رده على الأشاعرة في تعريفهم اشتراطهم للمعجزة دعوى النبوة: (منها: أنهم جعلوا المدلول عليه وهو إخبار النبي بنبوته وشهودها وثبوتها جزءا من الدليل) و قال: (وأيضا فإن عامة معجزات الرسول لم يكن يتحدى بها ويقول: ائتوا بمثلها، والقرآن إنما تحداهم لما قالوا: إنه افتراه، ولم يتحدهم به ابتداء وسائر المعجزات لم يتحد بها، وليس فيما نقل تحد إلا بالقرآن؛ لكن قد علم أنهم لا يأتون بمثل آيات الانبياء).
و على قول الدكتور الفاضل: لو كان القرآن نزل على قلب محمد و تحداهم على أن يأتوا بمثله من غير دعواه النبوة = لأمكن الإتيان بمثله؛ إذ لم ينسبه إلى الله و لم يدع نبوة بعدُ.
و هذا من أبطل الباطل، و لذا كان هذا القول هو سبب ضلال طوائف كثيرة في باب النبوة، و قد أفاض شيخ الإسلام في نقض شبهاتهم في كتابه العظيم النبوات، فارجع إليه؛ فإنه لولا خشية الإطالة لنقلت لك ما يظهر لك تطابق القولين.
يقول الجويني و هو من أئمة الأشاعرة: (إن المعجزة لا تدل لعينها و إنما لتعلقها بدعوى النبي و الرسالة) الإرشاد ص 319
و قال الشهرستاني: (إذا لم يدع الكاذب النبوة فلا محذور و لا مانع من ظهور الخوارق) نهاية الإقدام ص 434.
و لذلك عندهم يقع من الساحر و الكاذب و الدجال ما يقع من يقع من الأنبياء و أكثر إلا أنها من غير اقتران بدعوى النبوة.
قال ابن تيمية):و لهذا يقيم أكابر فضلائهم مدة يطلبون الفرق بين المعجزات و السحر فلا يجدون فرقا؛ إذ لا فق عندهم في نفس الأمر) النبوات 2/ 798.
بل قال أيضا في معرض بيام معتقد الأشاعرة: (الوجه الثالث: المعارضة بالمثل: أن يأتي بحجة مثل حجة النبي.
وحجته عندهم - أي الأشاعرة - مجموع دعوى النبوة والاثبات بالخارق، فيلزم على هذا أن تكون المعارضة بأن يدعي غيره النبوة ويأتي بالخارق وعلى هذا فليست معارضة الرسول بأن يأتوا بالقرآن أو عشر سور أو سورة بل أن يدعي أحدهم النبوة ويفعل ذلك وهذا خلاف العقل والنقل.
ولو قال الرسول لقريش: لا يقدر أحد منكم أن يدعي النبوة ويأتي بمثل القرآن وهذا هو الآية، وإلا فمجرد تلاوة القرآن ليس آية بل قد يقرأه المتعلم له فلا تكون آيه لأنه لم يدع النبوة ولو ادعاها لكان الله ينسيه إياه أو يقيض له من يعارضه كما ذكرتم لكانت قريش وسائر العلماء يعلمون أن هذا باطل) النبوات 1/ 490.
يتبع ......................
ـ[أبو تيمية]ــــــــ[16 May 2005, 10:23 ص]ـ
ثالثا: يقال على تفسيركم للمثلية هنا، لم تتبعوا فيها المعاني اللغوية التي تطلق عليها المثلية، فلا أعرف أحدا سبقكم إلى تفسيركم المذكور، و فسر المثلية هنا، بوحدة المصدر و المنشأ.
فلا السياق القرآني في الآيات يدل عليه، و لا الدلالة اللغوية لكلمة المثل.
فالسياق القرآني بين واضح جلي، فالمشركون يقولون عن اللفظ القرآني المتلو عليهم: إنه مفترى، و هو قول محمد×، فالاعتراض على شيء ظاهر و هو القرآن، فهم لا يسلمون للنبي أنه كلام الله، فجاءت الآيات مطالبة إياهم بالإتيان بمثله، أي: بكلام مثله.
فالمثلية هنا في الكلام لا في المصدر، و هذا لا يختلف فيه.
و قد سقت كلام أئمة التفسير بما لا مجال لإعادته.
رابعا: معلوم أن دعوى النبوة هي محل اعتراض المشركين، و المدعي مطالب بإقامة الحجة عليها لا العكس.
و المسألة هكذا صورتها: حصلت دعوى الرسول في رسالته و نبوته، ثم جاءت المطالبة من المشركين له بإثبات ذلك، فجاء بالدليل المبرهن و المبين لصحة نبوته، وهو القرآن، فكذبوا الدليل: و أن الكلام هو كلامه اختلقه و افتراه، وليس كلام الله، فحينئذ جاء التحدي بأن يأتوا بمثل هذا القرآن أو بعضه، فلو كان هذا بمقدور البشر، فليستعينوا بمن شاؤوا من الجن والإنس، فلم يفعلوا و هذا كافٍ في إثبات نبوته فكيف إذا انضاف إلى هذا الإخبار بأنهم لن يفعلوا في المستقبل؛ " فهذا لا يقدم عليه ويخبر به إلا عن علم لا يخالجه شك مستند إلى وحي من الله تعالى ".
قال شيخ الإسلام: (وهؤلاء جعلوا من جملة الدليل:دعوى النبوة،والاحتجاج به، والتحدي بالمثل:ثلاثة أشياء، وهذه الثلاثة هي أجزاء الدليل.
ودعوى النبوة هو الذي تقام عليه البينة والذي تقام عليه الحجة ليس هو جزءا من الحجة) النبوات 1/ 542.
خامسا: لو كان التحدي محصورا في دعوى النبوة و أنه كلام من عند الله لكان كافيا في إثبات عجزهم =التحدي بآية واحدة.فلو قرأ عليهم آية من كتاب الله و نسبها إلى الله و تحداهم في الإتيان بمثلها من عند الله لكان كافيا في إثبات عجزهم على حد تفسيركم المذكور، فلما لم يحصل ذلك = دل على بطلان تفسيركم للمثلية بمثلية الوحي.
سادسا: أن التفسير المذكور منكم يلزم منه أن لا يكون القرآن معجزا في نفسه؛ لأن قولكم بالإعجاز تابع لتفسيركم لمناط التحدي، و ما ذكرتموه من أنكم تقولون بالإعجاز ينافي تفسيركم لمناط التحدي، فعل أيِّ شيء بنيتم إعجازه ما دمتم لا ترون التحدي في نفس الكلام، بل في مصدره و هو الوحي.
¥