فالإعجاز في معناه أعظم وأكثر من الإعجاز في لفظه، وجميع عقلاء الأمم عاجزون عن الإتيان بمثل معانيه أعظم من عجز العرب عن الإتيان بمثل لفظه وما في التوراة والإنجيل: - ولو قدر أنه مثل القرآن - لا يقدح في المقصود؛ فإن تلك كتب الله أيضا، ولا يمتنع أن يأتي نبي بنظير آية نبي، كما أتى المسيح بإحياء الموتى، وقد وقع إحياء الموتى على يد غيره، فكيف وليس ما في التوراة والإنجيل مماثلا لمعاني القرآن؛ لا في الحقيقة ولا في الكيفية ولا الكمية؟
بل يظهر التفاوت لكل من تدبر القرآن وتدبر الكتب.
وهذه الأمور من ظهرت له من أهل العلم والمعرفة ظهر له إعجازه من هذا الوجه.
ومن لم يظهر له ذلك اكتفى بالأمر الظاهر الذي يظهر له ولأمثاله؛ كعجز جميع الخلق عن الإتيان بمثله مع تحدي النبي وإخباره بعجزهم؛ فإن هذا أمر ظاهر لكل أحد.
ودلائل النبوة من جنس دلائل الربوبية، فيها الظاهر البين لكل أحد كالحوادث المشهودة مثل خلق الحيوان والنبات والسحاب وإنزال المطر وغير ذلك وفيها ما يختص به من عرفه مثل دقائق التشريح ومقادير الكواكب وحركاتها وغير ذلك، فإن الخلق كلهم محتاجون إلى الإقرار بالخالق والإقرار برسله وما اشتدت الحاجة إليه في الدين والدنيا فإن الله يجود به على عباده جودا عاما ميسرًا .... ) الجواب الصحيح 5/ 428 - 435.
و انظر ما قبله أيضا في الجواب: 5/ 408 - 411.
وقال: (وهذا التحدي والتعجيز ثابت في لفظه ونظمه ومعناه كما هو مذكور في غير هذا الموضع) (المجموع 33/ 42 - 43).
و قال في النبوات: (و القرآن آيته باقية على طول الزمان من حين جاء به الرسول تتلى آيات التحدي به ويتلى قوله ?فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ?و ?فأتوا بعشر سور مثله ?و ?بسورة مثله ... ? و يتلى قوله ?قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ? فنفس إخبار الرسول بهذا في أول الأمر وقطعه بذلك مع علمه بكثرة الخلق = دليل على أنه كان خارقا يعجز الثقلين عن معارضته، وهذا لا يكون لغير الأنبياء، ثم مع طول الزمان، قد سمعه الموافق والمخالف والعرب والعجم، وليس في الأمم من أظهر كتابا يقرأه الناس، وقال: إنه مثله، وهذا يعرفه كل أحد، وما من كلام تكلم به الناس و إن كان في أعلى طبقات الكلام لفظًا ومعنى إلا وقد قال الناس نظيره و ما يشبهه و يقاربه سواء كان شعرا أو خطابة أو كلاما في العلوم والحكمة والاستدلال والوعظ والرسائل وغير ذلك وما وجد من ذلك شيء إلا و وُجد ما يشبهه ويقاربه.
والقرآن مما يعلم الناس عربهم و عجمهم أنه لم يوجد له نظير، مع حرص العرب وغير العرب على معارضته؛ فلفظه آية ونظمه آية وإخباره بالغيوب آية وأمره ونهيه آية ووعده ووعيده آية وجلالته وعظمته وسلطانه على القلوب آية.
وإذا ترجم بغير العربي = كانت معانيه آية، كل ذلك لا يوجد له نظير في العالم.
و إذا قيل: إن التوراة والإنجيل والزبور لم يوجد لها نظير أيضا لم يضرنا ذلك؛ فإنا قلنا إن آيات الانبياء لا تكون لغيرهم، وإن كانت لجنس الأنبياء كالإخبار بغيب الله، فهذه آية يشتركون فيها ... ) النبوات 1/ 515 - 517 و انظر باقيه فهو مهم.
و في الختام
لقد تبين بجلاء تام أن دعوى أن مناط التحدي كان في مصدر الكلام وهو الوحي و التنزيل = دعوى عارية عن البرهان، مخالفة للمعقول و المنقول، بل مخالفة – كما قال شيخ الإسلام – لإجماع العقلاء.
و للأسف الشديد فإن هذه الدعوى تصدر عن قول الأشاعرة و الماتريدية في تعريفهم للإعجاز و المعجزة، و ينتج عنها من الباطل ما لا يوصف، و قد ذكر شيخ الإسلام و غيره أن لازم القول بما تقوله الأشاعرة في الباب = نفي النبوة، والله المستعان.
هذا، و الله أسأل لي و لإخواني المسلمين التوفيق لما فيه خير الإسلام و المسلمين، والحمد لله رب العالمين و صلواته و سلامه على سيدنا محمد و على آله و صحبه.
و كتب أبو تيمية إبراهيم بن شريف الميلي – عفا الله عنه و عن والديه و جميع المسلمين -
ـ[أبو تيمية]ــــــــ[16 May 2005, 05:20 م]ـ
و هذا التعقيب على ملف وورد.
ـ[د/ سعيد جمعة]ــــــــ[16 May 2005, 06:32 م]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
¥