هنا الآية 58 في سورة البقرة تبدأ بقوله (وإذ قلنا) والقائل هو الله، فقوله نافذ ولكنه ينطبق فقط على الفقرات (ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا) (وادخلوا الباب سجداً) أي أنهم دخلوا القرية وأكلوا ودخلوا الباب سجداً. ولكن جملة (قولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين) هي جملة أمر (ضد النهي) وليست قولاً، ولكي يبين أن هذه جملة أمر قابلة للعصيان والطاعة وليست كلمة فقد أتبعها بالآية (فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم). وليست كلمة نافذةً لا محالة.
ولو كانت جملة (قولوا حطة نغفر لكم خطاياكم) كلمةً من كلمات الله وليست أمراً لتناقضت مع قوله تعالى (لا مبدل لكلماته) إذ كيف يقول (لا مبدل لكلماته) ويقول أيضاً (فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم) لذا فقد أفرد آية خاصة هي الآية 59 من سورة البقرة لكي يؤكد عدم التناقض.
وقد أكد هذه الناحية أيضاً في الآيتين 161 - 162 في سورة الأعراف (وإذا قيل له اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجداً نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين) (الأعراف 161).
(فبدل الذين ظلموا منهم قولاً غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزاً من السماء بما كانوا يظلمون) (الأعراف 162).
أما لماذا تكرر الموضوع نفسه مرتين في البقرة والأعراف فهو بحاجة إلى بحث خاص.
أما قوله تعالى: (وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون) (النحل 51).
لنقارن هذه الآية مع الآية (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل) (الحج 26) أي أن وحدانية الله هي حقيقة موضوعية خارج الوعي الإنساني وأن التعددية غي ممكنة موضوعياً حيث أن أي تعددية هي باطل ووهم. فالأصنام هي حجارة خارج الوعي الإنساني وليست آلهة. لذا بدأت الآية بقوله: (قال الله).
لنناقش الآن الصيغة التالية:
(قل هو الله أحد) (الإخلاص 1) هذه الصيغة هي صيغة أمر، فلو حذفنا منها فعل (قل) لأصبحت الصيغة (هو الله أحد) وهي صيغة خبر. وصيغة (قل هو الله أحد) ليست قرآنية، ولو حذفنا قل لأصبحت الصيغة قرآنية لأنها خبر عن أكبر حقيقة موضوعية في الوجود وهي وحدانية الله. لذا فإن وضع صيغة قل أو عدم وضعها له أهمية كبيرة في الكتاب حيث أنه يُعد أحد المؤشرات لتحديد نوع الآية.
إن آيات القرآن والسبع المثاني كلها من الآيات المتشابهات وهي تمثل النبوة مع آيات تفصيل الكتاب. فما هي مواضيع القرآن؟
لقد قلنا: إن القرآن جاء من (قرن) وهو من جمع الجزء الثابت من قوانين الكون الموجود في (اللوح المحفوظ) مع الجزء المتغير الموجود في (الإمام المبين). لذا فإن القرآن يحتوي على موضوعين هما:
1 - الجزء الثابت وفيه القانون العام للوجود المادي الثنائي والذي يتمثل في جدل هلاك شكل الشيء باستمرار وجدل تلاؤم الزوجين. ويعتبر التطور وتغير الصيرورة العمود الفقري لهذا الجزء، ويتمثل بالانفجار الكوني الأول وقوانين التطور حتى الساعة ونفخة الصور الأولى والثانية والبعث والحساب والجنة أي خط الوجود المادي كله مع خط تطوره الحتمي. هذا الجزء الذي له السيطرة التامة والمجد والذي قال عنه (بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ) (البروج 21 - 22). هذا الجزء ليس مناط الدعاء من قبل الإنسان ولا يمكن أن يتغير من أجل أحد وهو الذي يطلق عليه: (كلام الله القديم) والذي هو جوهر الوجود المادي وعينه والذي قال عنه: (لا مبدل لكلماته) وهذا الجزء هو مناط الفلسفة وهي أم العلوم.
2 - الجزء المتغير وهو الذي أوحي من إمام مبين (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) (يس 12). ويشتمل على:
أ - الجزء المتعلق بأحداث الطبيعة وظواهرها ويسمى آيات الله وقال عنه: (كتاب مبين). وهذا الجزء هو مناط المعرفة الإنسانية بالطبيعة وهو مناط التصريف من الله والإنسان وهو مناط الدعاء لأنه غير ثابت ولكنه لا يخرج عن القانون العام وهو الجزء الذي قال عنه: (سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) (مريم 35) (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) (يس 82) (مريم 35) (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) (يس 82) مثل هبة الذكور والإناث وتصريف الرياح والمطر والصحة والمرض والرزق وهو كلام الله المحدث (إرادة الله الظرفية).
ب - أحداث التاريخ الإنساني بعد وقوعها وهو الجزء الذي سمي (أحسن القصص) "الكتاب المبين" وفيه خط تطور التاريخ الإنساني بالنبوات والرسالات. فالتاريخ الإنساني الواعي هو معرفة وتشريع، وما نتج عن ذلك من نتاج مادي وعلاقات حضارية إنسانية. وبما أن الإنسان يحتاج إلى تراكم معرفي حتى تحصل قفزة تشريعية، فإننا نرى أن عدد الأنبياء يزيد ع عدد الرسل، فكل رسول هو بالضرورة نبي، ولكن ليس كل نبي هو بالضرورة رسولاً. وأضرب المثال التالي لكي نفهم هذه النقطة:
عندما دخلت أول سيارة إلى دمشق لم يواكب دخولها إصدار قانون للسير، أي أن قانون السير في دمشق لم يصدر مع دخول أول سيارة إلى دمشق، ولكن صدر القانون بعد أن تراكم عدد السيارات ومست الحاجة إلى تشريع جديد منظم للسير. فيجب أن نفهم النبوات والرسالات على هذا الوجه، فالنبوات قفزات معرفية، وعندما تتراكم هذه المعارف تحصل الحاجة إلى قفزات في التشريع "الرسالات"، ولهذا نرى أن عدد الأنبياء هو بالضرورة أكثر من عدد الرسل
¥