تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهكذا تركت الحقيقة في شاب رأسي إلى الاستعارة في اشتعل شيب رأسي لما سيأتي أن الاستعارة ابلغ من الحقيقة ثم تركت هذه المرتبة إلى تحويل الإسناد إلى الرأس وتفسيره بشيباً لأنها أبلغ من جهات. إحداها إسناد الاشتعال إلى الرأس لإفادة شمول الشيب الرأس إذ وزان اشتعل شيب رأسي واشتعل رأسي شيباً وزان اشتعل النار في بيتي واشتعل بيتي ناراً، والفرق بين، وثانيتها الإجمال والتفصيل في طريق التمييز، وثالثها تنكير شيباً لإفادة المبالغة ثم ترك اشتعل رأسي شيباً لتوخي مزيد التقرير إلى اشتعل الرأس مني شيباً على نحو وهن العظم مني ثم ترك لفظ مني لقرينة عطف اشتعل الرأس على وهن العظم مني لمزيد التقرير وهو إيهام حوالة تأدية مفهومه على العقل دون اللفظ، ثم قال عقيب هذا الكلام واعلم أن الذي فتق أكمام هذه الجهات عن أزاهير القبول في القلوب هو أن مقدمة هاتين الجملتين وهي رب اختصرت ذلك الاختصار بأن حذفت كلمة النداء وهي يا وحذفت كلمة المضاف إليه وهي ياء المتكلم واقتصر من مجموع الكلمات على كلمة واحدة فحسب وهي المنادى والمقدمة للكلام كما لا يخفى على من له قدم صدق في نهج البلاغة نازلة منزلة الأساس للبناء فكما أن البناء الحاذق لا يرى الأساس إلا بقدر ما يقدر من البناء عليه كذا البليغ يصنع بمبدأ كلامه، فمتى رأيته قد اختصر المبدأ فقد آذنك باختصار ما يورد انتهى كلامه.

وعليك أن تنتبه لشيء وهو أن ما جعله سبباً للعدول عن لفظ العظام إلى لفظ العظم فيه نظر، لأنا لا نسلم صحة حصول وهن المجموع بوهن البعض دون كل فرد فللوجه في ذكر العظم دون أسر ما تركب منه البدن وتوحيده ما ذكره الزمخشري قال: إنما ذكر العظم لأنه عمود البدن وبه قوامه وهو أصل بنائه وإذا وهن تداعى وتساقطت قوته، ولأنه اشد ما فيه وأصلبه، فإذا وهن كان ما وراءه أوهن ووحده لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية، وقصده إلى أن هذا الجنس الذي هو العمود والقوام وأشد ما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن، ولو كان جمع لكان قصد إلى معنى آخر وهو أنه لم يهن بعض عظامه ولكن كلها.

واعلم أن المراد بشمول الشيب الرأس أن يعم جملته حتى لا يبقى من السواد شيء أو لا يبقى منه إلا ما لا يعتد به، والثاني أعني ما يكون جملة إما مسبب ذكر سببه كقوله تعالى: " ليحق الحق ويبطل الباطل " أي فعل ما فعل وقوله " وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك " أي اخترناك وقوله " ليدخل الله في رحمته من يشاء " أي كان الكف ومنع التعذيب ومنه قول أبي الطيب: أتى الزمان بنوه في شبيبته فسرهم وأتيناه على الهرم

أي فساءنا أو بالعكس كقوله تعالى " فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم " أي فامتثلتم فتاب عليكم، وقوله " فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت " أي فضربه بها فانفجرت، ويجوز أن يقدر فإن ضربت بها قد انفجرت أو غير ذلك كقوله تعالى " فنعم الماهدون " على ما مر.

والثالث كقوله تعالى " فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله الموتى " أي فاضربوه ببعضها فحيي فقلنا كذلك يحيي الله لموتى، وقوله " أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون، يوسف " أي فأرسلوني إلى يوسف لا ستعبره الرؤيا فأرسلوه إليه فأتاه وقال له يا يوسف وقوله: " فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميراً " أي فأتياهم فأبلغاهم الرسالة فكذبوهما فدمرناهم وقوله " فأتيا فرعون فقولا إنا رسول رب العالمين، أن أرسل معنا بني إسرائيل، قال ألم نربك " أي فأتياه فأبلغاه ذلك ثم يقدر فماذا قال فيقع قوله " قال ألم نربك " استئنافاً، ونحوه قوله " اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون، قالت يا أيها الملأ " أي ففعل ذلك فأخذت الكتاب فقرأته ثم كأن سائلاً سال قال فماذا قالت فقيل قالت يا أيها الملأ، وأما قوله تعالى " ولقد آتينا داود وسليمان علماً وقالا الحمد لله " فقال الزمخشري في تفسيره هذا موضع الفاء كما يقال أعطيته فشكر ومنعته فصبر، وعطفه بالواو إشعارا بأن ما قالاه بعض ما أحدث فيهما العلم، كأنه قال فعملا به وعلماه وعرفا حق النعمة فيه والفضيلة، وقالا الحمد لله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير