تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقال السكاكي يحتمل عندي أنه تعالى أخبر عما صنع بهما وعما قالا كأنه قال نحن فعلنا إيتاء العلم وهما فعلا الحمد من غير بيان ترتبه عليه، اعتماداً على فهم السامع كقولك: قم يدعوك بدل: قم فإنه يدعوك.

واعلم أن الحذف على وجهين:

أحدهما أن لا يقام شيء مقام المحذوف كما سبق،

والثاني أن يقام مقامه ما يدل عليه كقوله تعالى " فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به عليكم " ليس البلاغ هو الجواب لتقدمه على توليهم، والتقدير فإن تولوا فلا لوم علي لأني قد أبلغتكم، أو فلا عذر لكم عند ربكم لأني قد أبلغتكم وقوله " وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك " أي فلا تحزن واصبر فإنه قد كذبت رسل من قبلك، وقوله " وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين " أي فيصيبهم مثل ما أصاب الأولين.

وأدلة الحذف كثيرة

منها أن يدل العقل على الحذف والمقصود الأظهر على تعيين المحذوف كقوله تعالى " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير " الآية وقوله " حرمت عليكم أمهاتكم " الآية فإن العقل يدل على الحذف لما مر والمقصود الأظهر يرشد إلى أن التقدير حرم عليكم تناول الميتة وحرم عليكم نكاح أمهاتكم لأن الغرض الأظهر من هذه الأشياء تناولها ومن النساء نكاحهن،

ومنها أن يدل العقل على الحذف والتعيين كقوله " وجاء ربك " أي أمر ربك أو عذابه أو بأسه، وقوله " هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام " أي عذاب الله أو أمره،

ومنها أن يدل العقل على الحذف والعادة على التعيين كقوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز " فذلكن الذي لمتنني فيه " دل العقل على الحذف فيه لأن الإنسان إنما يلام على كسبه فيحتمل أن يكون التقدير في حبه لقوله " قد شغفها حباً " وان يكون في مراودته لقوله: " تراود فتاها عن نفسه " وأن يكون في شأنه وأمره فيشملهما، والعادة دلت على تعيين المراودة لأن الحب المفرط لا يلام الإنسان عليه في العادة لقهره صاحبه وغلبته إياه وإنما سلام على المراودة الداخلة تحت كسبه التي يقدر أن يدفعها عن نفسه،

ومنها أن تدل العادة على الحذف والتعيين كقوله تعالى " لو نعلم قتالاً لتبعناكم " مع أنهم كانوا اخبر الناس بالحرب فكيف يقولون بأنهم لا يعرفونها فلا بد من حذف، قدره مجاهد رحمه الله مكان قتال، أي أنكم تقاتلون في موضع لا يصلح للقتال ويخشى عليكم منه ويدل عليه أنهم أشاروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يخرج من المدينة وأن الحزم البقاء فيها،

ومنها الشروع في الفعل كقول المؤمن " بسم الله الرحمن الرحيم " كما إذا قلت عند الشروع في القراءة بسم الله فإنه يفيد أن المراد بسم الله أقرأ وكذا عند الشروع في القيام والقعود أو أي فعل كان فإن المحذوف يقدر ما جعلت التسمية مبدأ له، ومنها اقتران الكلام بالفعل فإنه يفيد تقديره كقولك لمن أعرس: بالرفاء والبنين، فإنه يفيد بالرفاء والبنين أعرست.


الإيضاح في علوم البلاغة

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير