تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(2) كنز العمال 2: ح 4397.

(3) كنز العمال 2: ح 4764.

(4) أُنظر منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد 2: 43 ـ 52، وأُسد الغابة: ترجمة نافع بن ظريب.

===============

2 ـ لا تصحّ الرواية الثالثة؛ لاَنّ المصاحف واستحداث لفظها لم يكن في زمان أبي بكر، بل هي موجودة منذ زمان الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)، واستخدمت هذه المفردة لهذا المعنى، وهو القرآن الذي بين الدفّتين، منذ فجر الرسالة كما تقدّم بيانه، وتقول هذه الرواية أنّ كلمة (مصحف) حبشيّة، بل هي عربية أصيلة، ولسان الحبشة لم يكن عربياً، ثمّ إنّهم لماذا تحيّروا في تسمية كتاب الله وهو تعالى سمّاه في محكم التنزيل قرآناً وفرقاناً وكتاباً.

3 ـ الملاحظ أنّ هذه الروايات تؤكّد على أنّ جمع القرآن كان بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وقد تقدّم بطلان ذلك؛ لاَنّه كان مؤلّفاً مجموعاً على عهده (صلى الله عليه واله وسلم) يقرأ بالمصاحف ويختم، وكان له كُتّاب مخصوصون يتولون كتابته وتأليفه بحضرة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) وهو يشرف على أعمالهم بنفسه، وكان لدى الصحابة مصاحف كثيرة شُرّعت فيها بعض السنن، وكانوا يعرضون على الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) ما عندهم باستمرار، وكان كثير من الصحابة قد جمعوا القرآن في حياته (صلى الله عليه واله وسلم).

4 ـ هذه الروايات مخالفة لما أجمع عليه المسلمون قاطبةً من أنّ القرآن لا طريق لاِثباته إلاّ التواتر، فإنّها تقول إنّ إثبات بعض آيات القرآن حين الجمع كان منحصراً بشهادة شاهدين أو بشهادة رجلٍ واحدٍ، ويلزم من هذا أن يثبت القرآن بخبر الواحد أيضاً، وهي دعوى خطيرةٌ لا ريب في بطلانها، إذ القطع بتواتر القرآن سببٌ للقطع بكذب هذه الروايات أجمع وبوجوب طرحها وإنكارها؛ لاَنّها تثبت القرآن بغير التواتر، وقد ثبت بطلان ذلك بإجماع المسلمين، فهذه الروايات باطلة مادامت تخالف ما هو ثابت بالضرورة.

===============

وإذا سلّمنا بصحة هذه الروايات، فإننا لا نشك في أنّ جمع زيد بن ثابت للمصحف كان خاصّاً للخليفة، لاَنّه لا يملك مصحفاً تاماً، لا لعموم المسلمين، لاَنّ الصحابة من ذوي المصاحف قد احتفظوا بمصاحفهم مع أنّها تختلف في ترتيبها عن المصحف الذي جمعه زيد، وكان أهل الاَمصار يقرأون بهذه المصاحف، فلو كان هذا المصحف عاماً لكلِّ المسلمين لماذا أمر أبو بكر زيداً وعُمَرَ بجمعه من اللخاف والعسب وصدور الرجال؟ وكان بإمكانه أخذه تاماً من عبدالله بن مسعود الذي كان يملي القرآن عن ظهر قلب في مسجد الكوفة، والذي قال عنه الرسول (صلى الله عليه واله وسلم): «إذا أردتم أن تأخذوا القرآن رطباً كما أُنزل، فخذوه من ابن أُمّ عبد ـ أي من عبدالله بن مسعود ـ» (1) .. والذي يروي عنه أنّه قال عندما طلب منه تسليم مصحفه أيام عثمان: «أخذت من في رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) سبعين سورة، وإنّ زيد بن ثابت لذو ذؤابة يلعب مع الغلمان» (2). .

وبإمكانه أن يأخذه تامّاً من الاِمام عليّ (عليه السلام) الذي استودعه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) القرآن، وطلب منه جمعه عقيب وفاته (صلى الله عليه واله وسلم)، فجمعه وجاء به إليهم، فلم يقبلوه منه (3)، وما من آيةٍ إلاّ وهي عنده بخطّ يده وإملاء رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، قال أبو عبد الرحمن السلمي: «ما رأيت ابن أنثى أقرأ لكتاب الله تعالى من عليّ (عليه السلام)» (4).

وبإمكانه أن يأخذه من أُبي بن كعب الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):


(1) مستدرك الحاكم 3: 318، مجمع الزوائد 9: 287، مسند أحمد 1: 445.
(2) الاستيعاب 3: 993.
(3) الاحتجاج 1: 383، البحار 92: 40.
(4) الغدير 6: 308 عن مفتاح السعادة 1: 351، وطبقات القراء 1: 546.

===============

«أقرأهم أُبي بن كعب». أو قال: «أقرأ أُمّتي أُبي بن كعب» (1). أو يأخذه من الاَربعة الذين أمر النبي (صلى الله عليه واله وسلم) الناس بأخذ القرآن عنهم، وهم: عبد الله بن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وأُبي بن كعب، ومعاذ بن جبل (2)، وكانوا أحياءً عند الجمع، أو يأخذه من ابن عباس حبر الاَُمّة وترجمان القرآن بلا خلاف.
ولو سلّمنا أنّ جامع القرآن في مصحف هو أبو بكر في أيام خلافته، فلاينبغي الشكّ في أنّ كيفية الجمع المذكورة بثبوت القرآن بشهادة شاهدين مكذوبةٌ؛ لاَنّ جمع القرآن كان مستنداً إلى التواتر بين المسلمين، غاية الاَمر أنّ الجامع قد دوّن في المصحف ما كان محفوظاً في الصدور على نحو التواتر.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير