تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يجمع الباحثون على أنَّ جميع الدراسات الموجودة في التراث عند المسلمين؛ بدأت مقترنة بالقرآن الكريم، واقتصرت هذه الدراسات بادئ الأمر على اللسان العربي، إذ تنزل به القرآن الكريم، وهو كتاب غير حياة العرب تغييرا أساسيا شاملا، فانتقل العرب من دور القيم الفردية والحياة القبلية إلى حياة الرحمة والهداية للبشرية جمعاء؛ تصديقا لقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107).

أثارَ القرآنُ الكريمُ حركةً فكريةً كبيرةً في سائر أنواع المعرفة؛ فلم تقتصرْ على نص القرآن وما يتصل به، بل شملت علوم اللغة في مدلولها الواسع، وكانوا بحق مبدعين بها، فأبدعوا المعاجم كمعجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي، وقد أبدع الخليل بن أحمد نفسه كما هو مشهور علم العروض؛ لمعرفة الشعر فكان فتحا أي فتح، وجاء تلميذه سيبويه ليؤلف الكتاب في قواعد اللسان العربي، وسار السابقون مسيرتهم المعرفية عقدا أثر عقد، شملت الكثير من حقول المعرفة المتعلقة بالإسلام: كعلم التوحيد، منتجين منهجا خاصاً بعلم التوحيد، هو علم الكلام والتفسير، وأصول الفقه، وعلم مصطلح الحديث، وعلوم اللسان العربي، بحيث وصفت علوم اللسان بأنها مفتاح العلوم، أو المتعلقة بالحياة، كالتاريخ سيراً ومغازي، والجغرافيا، والفلك، وعلوم الحيوان، والطب، وعلم الطبيعة، والكيمياء، والنبات، والهندسة، والرياضيات، فلم يبق حقل من حقول المعرفة إلاَّ ولهم باع فيه.

ظلَّ القرآن الكريم نبعا لا ينضب لحركة فكرية مباركة، يتقدم الفكر سنة بعد سنة، ويمسك المسلمون معرفيا بشروط التقدم ـ رغم تركيز الملك الجبري العضوض ـ منذ تولي معاوية بن أبي سفيان الخلافة، بالقيام على الإمام الحق، بالسفهاء من العرب، الذين لم يتمكن الإسلام في نفوسهم تمكنا قويا، ومع تباشير القرن الخامس الهجري حدث متغيران الأول: سيطرة السلاجقة الترك (أي العجم) الداخلين في الإسلام حديثا على الدولة، ففي هذه السيطرة تم فصل الطاقة العربية ـ وهي طاقة اجتهاد وأداء ـ عن الطاقة الإسلامية وهي طاقة معاني (طاقة العربية هي اللسان بما فيه من قدرة على تأدية معاني الإسلام) والمتغير الثاني: هو صدور الوثيقة القادرية سنة 408هـ، وهي وثيقة منعت الاجتهاد في الفكر (أي في قضايا الإيمان وقضايا المعرفة العلمية والإنسانية) وظهرت الدعوة للتقليد المذهبي، وقام السلاجقة أهل القوة العسكرية بقتل مفكري المعتزلة بالدرجة الأولى وساندهم العلماء المتنفذون من أهل الفتوى جماعة الأشاعرة وأهل الحديث بالتصفية الجسدية للعامة لكل من هو من أهل التوحيد والعدل (المعتزلة) تلك هي الحقائق التي قلبت وضع المعرفة رأسا على عقب.

إعجاز القرآن

القرآن الكريم هو كلام الله، نزل به الروح الأمين، بلسان عربي مبين، على نبي الهدى محمد بن عبد الله ـ صلوات الله عليه ـ لهداية الثقلين، يتضمن لفت نظر للكون المنظور للتفكر فيه للوصول إلى معرفة الله، وبهذا النظر يصل المكلف إلى الإيمان، وفي القرآن أيضا أمرٌ ونهي وعليهما مدار الشريعة، ويحوي الوعدَ بالثواب والوعيد بالعقاب، أي يوم الجزاء، وقصصاً عن أحداث وأمم ماضية، وأخباراً عن عوالم غائبة كالجن والملائكة، وأموراً آتية، مثل البعث والحشر والحساب وقيام الساعة، كل ذلك في سبيل بناء الإنسان الأفضل والأكمل الذي يسمو في درجات الرقي.

تعني هداية الثقلين: وهما الإنس والجن، هداية الإنس تمت ببعث رسول الهدى محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد تمت هداية البيان والدلالة لهم عبر اتصال الرسول الحي مع البشر، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} (الأحزاب:45) وقوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} (الفتح:8) وأكد القرآن الاتصال الحي بأنه مثل اتصال موسى بفرعون قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً} (المزمل:15) وبعد شهادته على المبلغين وانتقاله إلى الرفيق الأعلى تحولت المهمة كحالة رسالية للأمة الإسلامية قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير