تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} (البقرة: من الآية143).

أمَّا هداية الجن فقد تمت بغير الاتصال الحي قال تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً} (الجن:1، 2) وكل ما يقال خلاف ذلك من مزاعم؛ بعد إعمال الفكر في قوله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} تُرَدُّ درايةً لتعارضها الصريح مع القرآن الكريم.

المسلمون كلهم متفقون على كون القرآن معجزاً، ولكنهم مختلفون حول سر إعجازه، وهذه الاختلافات محصورة في ثمانية أوجه في الزمن الكلاسيكي، أي من النبوة إلى ما قبل نهاية القرن الخامس الهجري، إذ ترجح واستقر بعد ذلك رأي عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني ت 471 هـ، بعد ما استفاد من نظرية النظم التي بدأت تنضح من الجاحظ إلى الجبائي (أبو علي) إلى القاضي عبد الجبار من كون الإعجاز يتجلى في نظم القرآن لا غير.

{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} (الإسراء:9).

لقد تحدى القرآن الكريم العرب العاربة والعرب المستعربة أنْ يأتوا بمثل القرآن قال تعالى {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} (الطور:34) (م) فعجزوا جميعا عن الإتيان بمثله، ولذلك قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} (الإسراء:88) (ك) ولهذا خفف لله عنهم التحدي، فصاروا مطالبين أنْ يأتوا بعشر سور من مثله قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (هود:13) (ك) وإذ عجزوا أيضا، تحول التحدي إلى الإتيان بسورة واحدة من مثله قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (يونس:38) (ك) وجاء التحدي مرة ثانية في المدينة قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة:23) (م).

يتبين من هذه الآيات تحدي القرآن للعرب في زمن التنزيل، وهذا هو التحدي القائم إلى يوم الدين، فلا يصح الزعم باكتشاف سر التحدي ـ بسبب ما يتكشف عنه العلم في مسيرته الصاعدة ـ فهذا فضلا عن عدم وجاهته، فهو يستبطن عدم ظهور التحدي زمن التنزيل، وهو زعم لم ينقل عن أحد من السابقين من المسلمين أو غيرهم، ويبنى على هذا القول الخطير القول التالي وهو: " إنَّ معاصري النبي لم يؤمنوا برسالة النبي بدليل المعجزة، إذ المعجزة غير معروفة لهم "، على أنَّ آيات التحدي ناطقة بأنَّ الإعجاز في منطوق نصه وليس في معانيه، وانظر إلى هذه المباني في القرآن بعين الفاحص: (بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) (بِمِثْلِهِ) (بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) (بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِه) (بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) فما طلبه الله منهم الإتيان بمثله نصا، ولا يمكن حملها على غير النص، فالمعاني تابعة للمباني، قيل: قال الوليد بن المغيرة ـ بعد استماعه للقرآن: [فو الله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه ولا بقصيده مني، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، والله إنَّ لقوله الذي يقول لحلاوة، وإنَّ عليه لطلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وإنه ليحطم الذي تحته].

سواء صح إسناد هذا القول للوليد بن المغيرة، أم لم يصح فإنَّ أهل السليقة من اللسان العربي يدركون الفرق بين نص ونص بداهة؛ وليس ببناء الدليل؛ إذ الدليل من عمل أهل القاعدة والأصول ولهذا اختلف أهل القاعدة على أوجه الإعجاز.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير