تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قِيلَ: مَعْنَاهُ أَظْهِرْ التَّبْلِيغ ; لِأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّل الْإِسْلَام يُخْفِيه خَوْفًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ , ثُمَّ أُمِرَ بِإِظْهَارِهِ فِي هَذِهِ الْآيَة , وَأَعْلَمَهُ اللَّه أَنَّهُ يَعْصِمهُ مِنْ النَّاس , وَكَانَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَوَّل مَنْ أَظْهَرَ إِسْلَامه وَقَالَ: لَا نَعْبُد اللَّه سِرًّا ; وَفِي ذَلِكَ نَزَلَتْ: " يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَسْبك اللَّه وَمَنْ اِتَّبَعَك مِنْ الْمُؤْمِنِينَ " [الْأَنْفَال: 64] فَدَلَّتْ الْآيَة عَلَى رَدّ قَوْل مَنْ قَالَ: إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ شَيْئًا مِنْ أَمْر الدِّين تَقِيَّة , وَعَلَى بُطْلَانه , وَهُمْ الرَّافِضَة , وَدَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُسِرّ إِلَى أَحَد شَيْئًا مِنْ أَمْر الدِّين ; لِأَنَّ الْمَعْنَى بَلِّغْ جَمِيع مَا أُنْزِلَ إِلَيْك ظَاهِرًا , وَلَوْلَا هَذَا مَا كَانَ فِي قَوْله عَزَّ وَجَلَّ: " وَإِنْ لَمْ تَفْعَل فَمَا بَلَّغْت رِسَالَته " فَائِدَةٌ , وَقِيلَ: بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك فِي أَمْر زَيْنَب بِنْت جَحْش الْأَسَدِيَّة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا , وَقِيلَ غَيْر هَذَا , وَالصَّحِيح الْقَوْل بِالْعُمُومِ ; قَالَ اِبْن عَبَّاس: الْمَعْنَى بَلِّغْ جَمِيع مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك , فَإِنْ كَتَمْت شَيْئًا مِنْهُ فَمَا بَلَّغْت رِسَالَته ; وَهَذَا تَأْدِيب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَتَأْدِيب لِحَمَلَةِ الْعِلْم مِنْ أُمَّته أَلَّا يَكْتُمُوا شَيْئًا مِنْ أَمْر شَرِيعَته , وَقَدْ عَلِمَ اللَّه تَعَالَى مِنْ أَمْر نَبِيّه أَنَّهُ لَا يَكْتُم شَيْئًا مِنْ وَحْيه ; وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ مَسْرُوق عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَك أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ شَيْئًا مِنْ الْوَحْي فَقَدْ كَذَبَ ; وَاَللَّه تَعَالَى يَقُول: " يَا أَيّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك وَإِنْ لَمْ تَفْعَل فَمَا بَلَّغْت رِسَالَته " وَقَبَّحَ اللَّه الرَّوَافِض حَيْثُ قَالُوا: إِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ كَانَ بِالنَّاسِ حَاجَة إِلَيْهِ.

تفسير الجلالين

"يَا أَيّهَا الرَّسُول بَلِّغْ" جَمِيع "مَا أُنْزِلَ إلَيْك مِنْ رَبّك" وَلَا تَكْتُم شَيْئًا مِنْهُ خَوْفًا أَنْ تُنَال بِمَكْرُوهٍ "وَإِنْ لَمْ تَفْعَل" أَيْ لَمْ تُبَلِّغ جَمِيع مَا أُنْزِلَ إلَيْك "فَمَا بَلَّغْت رِسَالَته" بِالْإِفْرَادِ وَالْجَمْع لِأَنَّ كِتْمَان بَعْضهَا كَكِتْمَانِ كُلّهَا "وَاَللَّه يَعْصِمك مِنْ النَّاس" أَنْ يَقْتُلُوك وَكَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْرَس حَتَّى نَزَلَتْ فَقَالَ: "انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي اللَّه" رَوَاهُ الْحَاكِم

تفسير ابن كثير

يَقُول تَعَالَى مُخَاطِبًا عَبْده وَرَسُوله مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاسْمِ الرِّسَالَة وَآمِرًا لَهُ بِإِبْلَاغِ جَمِيع مَا أَرْسَلَهُ اللَّه بِهِ وَقَدْ اِمْتَثَلَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاة وَالسَّلَام ذَلِكَ وَقَامَ بِهِ أَتَمَّ الْقِيَام قَالَ الْبُخَارِيّ عِنْد تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن مُوسَى حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ إِسْمَاعِيل عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ مَسْرُوق عَنْ عَائِشَة - رَضِيَ اللَّه عَنْهَا - قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَك أَنَّ مُحَمَّدًا كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ فَقَدْ كَذَبَ وَهُوَ يَقُول " يَا أَيّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك " الْآيَة هَكَذَا رَوَاهُ هَاهُنَا مُخْتَصَرًا وَقَدْ أَخْرَجَهُ فِي مَوَاضِع مِنْ صَحِيحه مُطَوَّلًا وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِم فِي كِتَاب الْإِيمَان وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي كِتَاب التَّفْسِير مِنْ سُنَنهمَا مِنْ طُرُق عَنْ عَامِر الشَّعْبِيّ عَنْ مَسْرُوق بْن الْأَجْدَع عَنْهَا - رَضِيَ اللَّه عَنْهَا - وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا أَيْضًا أَنَّهَا قَالَتْ: لَوْ كَانَ مُحَمَّد - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَاتِمًا شَيْئًا مِنْ الْقُرْآن لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَة " وَتُخْفِي فِي نَفْسك مَا اللَّه مُبْدِيه وَتَخْشَى النَّاس وَاَللَّه أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ " وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مَنْصُور الرَّمَادِيّ حَدَّثَنَا سَعِيد بْن سُلَيْمَان حَدَّثَنَا عَبَّاد عَنْ هَارُون بْن عَنْتَرَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْت عِنْد اِبْن عَبَّاس فَجَاءَ رَجُل فَقَالَ لَهُ إِنَّ نَاسًا يَأْتُونَا فَيُخْبِرُونَا أَنَّ عِنْدكُمْ شَيْئًا لَمْ يُبْدِهِ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلنَّاسِ فَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَلَمْ تَعْلَم أَنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ " يَا أَيّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبّك " وَاَللَّه مَا وَرَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوْدَاءَ فِي بَيْضَاءَ. وَهَذَا إِسْنَاد جَيِّد وَهَكَذَا فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ مِنْ رِوَايَة أَبِي جُحَيْفَة وَهْب بْن عَبْد اللَّه السَّوْدَانِيّ قَالَ: قُلْت لِعَلِيِّ بْن أَبِي طَالِب - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - هَلْ عِنْدكُمْ شَيْء مِنْ الْوَحْي مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآن فَقَالَ لَا وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّة وَبَرَأَ النَّسَمَة إِلَّا فَهْمًا يُعْطِيه اللَّه رَجُلًا فِي الْقُرْآن وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَة قُلْت وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَة قَالَ الْعَقْل وَفِكَاك الْأَسِير وَأَنْ لَا يُقْتَل مُسْلِم بِكَافِرٍ.

ولا تعليق.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير