تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بل الظاهر أن وصايا النبي صلى الله عليه وآله لعلي كان بعضها معروفاً في حياته، ومن ذلك وصيته له بأن يسجل مظلوميته ويقيم الحجة على القوم، ولا يقاتلهم من أجل الخلافة .. فلو لم يكونوا يعرفون ذلك، لما كانت عندهم جرأة أن يهاجموا علياً في بيته بعشرين مسلح أو خمسين، ويقتحموا داره، ثم يلقوا القبض عليه، ويجروه بحمائل سيفه الى البيعة!!

لقد كان علي عليه السلام معجزةً وأسطورةً في القوة والشجاعة، وفي الهيبة والرعب في قلوب الناس .. وأكثر الذين هاجموه في داره كانوا معروفين بالخوف والفرار في عدة حروب .. ولم يكن أحدٌ منهم ولا من غيرهم يجرأ أن يقف في وجه علي عليه السلام إذا جرد ذا الفقار!!

ولكنهم كانوا مطمئنين أن إطاعته للنبي صلى الله عليه وآله تغلب شجاعته وغيرته، وأنه سيعمل بالوصية، ولن يجرد ذا الفقار، حتى لو ضربت الزهراء عليها السلام وأسقط جنينها!!

والحاصل أن الخلافة القرشية قد ردت أقوال علي بأن عنده مواريث النبي صلى الله عليه وآله وعلمه، ونفت أن يكون النبي صلى الله عليه وآله ورث عترته شيئاً لا علماً ولا أوقافاً ولا مالاً! وبذلك صادر أبو بكر مزرعة فدك، التي كان النبي صلى الله عليه وآله أعطاها الى فاطمة عليها السلام عندما نزل قوله تعالى (وآت ذا القربى حقه)!

بل زادت السلطة على نفي كلام علي، وحاولت أن تستفيد من آية الأمر بالتبليغ التي هي موضوع بحثنا فقالت: من قال إن النبي صلى الله عليه وآله قد بلغه وحده أموراً وأحكاماً، ولم يبلغهاالى الأمة عامة، فقد اتهم النبي صلى الله عليه وآله بأنه قصر في تبليغ الأمة، وهو نوع من الكفر به صلى الله عليه وآله!! ومقولة عائشة المتقدمة هي مقولة السلطة في رد قول علي عليه السلام ..

ـ قال البخاري في صحيحه: 5

188:

باب يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك. عن عائشة رضي الله عنها قالت: من حدثك أن محمداً صلى الله عليه وآله كتم شيئاً مما أنزل عليه، فقد كذب، والله يقول يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك. الآية. انتهى. ثم كرر البخاري ذلك في: 6

50 و8

210، ومسلم: 1

10، والترمذي: 4

328 .. . وغيرهم.


(214)
ولكن هذه العملية من السلطة تتضمن مغالطتين: في توسيع معنى المأمور بتبليغه وفي توسيع معنى المأمور بتبليغهم!
كما تتضمن تحريفاً لمقولة علي عليه السلام وشيعته!
فليس كل شيء قاله الله تعالى لرسوله أوجب عليه أن يبلغه .. فإن علوم النبي صلى الله عليه وآله وما أوحى الله اليه، وما ألهمه إياه، وما شاهده في إسرائه ومعراجه .. أوسع مما بلغه لعامة الناس، بأضعافٍ مضاعفة، ولا يمكن أن يوجب الله تعالى عليه تبليغها، لأن الناس لا يطيقونها حتى لو كانوا مؤمنين!
ولا كل شيء أمره أن يبلغه، أمره أن الى كل الناس بدون استثناء .. فهناك أمورٌ عامةٌ لكل الناس، وقد بلغها لهم، وأمور خاصةٌ لأناسٍ خاصين مؤمنين أو كافرين، وقد بلغها لأصحابها، مثل قوله تعالى (قل لهم في أنفسهم قولاً بليغا) .. الخ.
ولم يقل عليٌّ عليه السلام ولا أحدٌ من شيعته إن النبي صلى الله عليه وآله لم يبلغ، بل قالوا إنه كلم الناس على قدر عقولهم، وعلى قدر تحملهم وتقبلهم، وأنه لذلك بلغ علياً عليه السلام أكثر من غيره واستودعه علومه، كما أمره الله تعالى ..
وليس في هذا تهمة بعدم التبليغ، كما زعم القرطبي والقسطلاني. بل هي قولٌ بتبليغ إضافي خاصٍ بعلي والزهراء والحسنين عليهم السلام!
بل إن علياً وشيعته قالوا إن النبي صلى الله عليه وآله قد بلغ الأمة أموراً كثيرة، تتعلق بعترته وغيرهم كما ترى في كتابنا هذا .. فتبليغه عندهم أوسع مما يقول به القرشيون.
ولكن القرشيين يظلمون علياً عليه السلام ويفترون عليه، ويتغاضون عن تصريح عمر بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يبين عدة آيات مثل الكلالة والربا! كما تقدم في آية إكمال الدين!!
والنتيجة أن الأمر بالتبليغ وامتثاله، لا يتنافى مع تخصيص النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام بعلومٍ عن غيره، لأن ذلك مما أمره بتبليغه له.
كما لا يتنافى مع التقية التي قد يستعملها النبي صلى الله عليه وآله مع قريش أو غيرها، لأنه مأمورٌ بالعمل بالحكمة لأهداف الإسلام، وبالتقية ومداراة الناس ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير