تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(119) الصرفة: هي مما ذهب إليه النظام المعتزلي في إعجاز القرآن، وهو صرف الدواعي عن المعارضة، ومنع العرب عن الاهتمام به جبرا وتعجيزا؛ حتى لو خلاهم سبحانه لكانوا قادرين على أن ياتوا بسورة من مثله بلاغة وفصاحة ونظما. انظر «الملل والنحل 1: 58».

(120) يقال: إنه لفي صفرة، للذي يعتريه الجنون، إذا كان في أيام يزول فيها عقله، لانهم كانوا يمسحونه بالزعفران. «الصحاح ـ صفر ـ 2: 714».

(121) الفهة: السقطة والجهلة. يقال: فه الرجل يفه فهاهة وفهة، فهوفة وفهيه: إذا جاءت منه سقطة من العي وغيره «النهاية ـ فهه ـ 3: 482».

(122) الفسل: الرديء من كل شيء. «مجمع البحرين ـ فسل ـ 5: 440».

(238)

وأخلاه من بهي جواهر العقول وثريها، ثم يقال لولاة أعلى الكلام طبقة وأمتنه، ولارباب آنقه طريقة وأحسنه: هاتوا بما ينحو نحوه، وهلموا بما يحذو حذوه، فيعترضهم الحجز، ويتبين فيهم العجز، فيقال قد استصرفهم الله عن أهون ما كانوا فيه ماهرين، وأيسر ما كانوا عليه قادرين، ألم ترهم كيف كانوا يعنقون (123) في المضمار فوقفوا، وينهبون الحلبة بخطاهم فقطفوا (124)، ولا يقال الله قادر على أن يأتي بما هو أفصح وأفصح، وأملح لفظا ومعنى وأملح، فهلا أتى بذلك المتناهي في الفصاحة والمتمادي في الملاحة، فإن الغرض اتضاح الحجة وقد اتضحت، وافتضاح الشبهة وقد افتضحت، وإذا حصل الغرض فليس وراءه معترض.

وأما إغفال السلف لما نحن بصدده، وإهمالهم الدلالة على سننه، والمشي على جدده (125)، فلان القوم كانوا أبناء الآخرة، وإن نشأوا في حجر هذه الغادرة، ديدنهم قصر الآمال، وأخذ العلوم لتصحيح الاعمال، وكانوا يتوخون الاهم فالاهم والاولى فالاولى والازلف فالازلف من مرضاة المولى، ولانهم كانوا مشاغيل بجر أعباء الجهاد، معنين (126) بتقويم صفات أهل العناد، معكوفي الهمم على نشر الاعلام لنصرة الاسلام، فكان ما بعث به النبي عليه الصلاة والسلام لتعليمه وتلقينه، وارسل للتوقيف عليه وتبيينه، أهم عندهم مما كانوا مطبوعين على معرفته، مجبولين على تبين حاله وصفته، وكان إذ ذاك البيان غضا طريا، واللسان سليما من اللكنة بريا، وطرق الفصاحة مسلوكة سائرة، ومنازلها مأهولة عامرة، وقد مهد عذرهم تعويلهم على ما شاع وتواتر، واستفاض وتظاهر، من عجز العرب وثبات العلم به ورسوخه في الصدور، وبقائه في القلوب على ممر العصور.


(123) يعنقون: أي يسرعون. انظر «لسان العرب ـ عنق ـ 10: 273».
(124) القطاف: تقارب الخطو في سرعة، من القطف: وهو القطع. «النهاية ـ قطف ـ 4: 84».
(125) الجدد: الارض الصلبة، وفي المثل: «من سلك الجدد أمن العثار». «الصحاح ـ جدد ـ 2: 452».
(126) معنين: أي متعبين. انظر «لسان العرب ـ عنن ـ 13: 290».

(239)

وبعد انقراض اولئك العرب، المالئة دلو البلاغة إلى عقد الكرب (127)، وبقاء رباعها (128) بغير طلل (129) ورسم (130)، وذهابها ذهاب جديس وطسم (131)، لم يبق من هذا العلم إلا نحو الغراب الاعصم (132)، والنكتة (133) البيضاء في نقبة الادهم (134)، وجملة تلك البقية قد اتبعوا سنن الاولين، وكانوا على عجز العرب معولين، ولم يقولوا كم بين إيمان السحار وبين إيمان النظار، ثم ادرج هذا العلم تحت طي النسيان، كما يدرج الميت في الاكفان.
ولو لا أن الله أوزعني أن أنفض عليه لمتي (135)، وألهمني أن أنهض إليه بهمتي، حتى أنفقت على النظر فيه شبابي، ووهبت له أمري، وكانت إجالة الفكر في غوامضه دهري، لم تسمع من أحد فيه همسا، ولم تلق من ينبس منه بكلمة نبسا، والله أسأل أن يهديني سبل الاصابة، ويثيبني على ذلك احسن إثابة، فما نويت بما لقيت فيه من عرق الجبين، إلا التوصل إلى ما فيه من ثلج اليقين، وإلا

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير