وهو يدعو الله لتكن مشيئتك، وصلب معه لصان، أحدهما استهزأ به قائلا: إن كنت أنت المسيح فخلص نفسك وإيانا. أما اللص الآخر فكان مؤمنا حيث طلب من عيسى أن يذكره متى انتقل إلى الملكوت، فأجابه:
الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس. ثم دعا الله أن يغفر لقومه فإنهم لا يعلمون ...
فهل حقا هذا ما حصل للمسيح عليه السلام؟
لا توجد طائفة واحدة من النصارى تقول إن شبيها لعيسى هو الذي صلب مكانه، ولو كان الشبيه هو الذي صلب لانكشف للناس حقيقته بجزعه وإنكاره أنه المسيح، ولبقيت طائفة من النصارى تقول بعكس ما تقوله باقي الطوائف لأن الله لا يطمس الحق.
شهادة الله هي الفصل في هذه القضية، وهذه القضية أطرافها ثلاثة:
1) الصالب: وهم جنود الرومان والذين كفروا من اليهود.
2) المصلوب: وهو الشخص الذي علق على الصليب.
3) الجمهور: وهم جموع الناس الذين حضروا حادثة الصلب.
وشهادة الحق يجب أن تبين انطباع وشعور كل الأطراف الثلاثة. إن تحدث فقط عن طرفين دون الثالث فإن الشهادة لا تعتبر شهادة بالحق لأنها شهادة ناقصة، والله تعالى هو العزيز الحكيم فهو الذي يقص علينا انطباع وشعور كل أطراف القضية.
أما الطرف الأول (الصالب) الذين قاموا بعملية الصلب فإن الله قال عنهم: وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم.
وأما المصلوب فهو الضمير المتصل (ه): صلبو (ه) و قتلو (ه)، وهو أيضا الضمير المستتر نائب الفاعل لفعل (شبه) المبني للمجهول.
وأما الطرف الثالث (الجمهور) الذي شاهدوا الحادثة فينبغي أن يكونوا هم الذين قال الله عنهم: وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا.
اختلاف هؤلاء هو الذي سيتبين لنا منه إن كان هناك شبيه أم لا.
فيم كان الاختلاف والشك؟
أجابنا الله: وما قتلوه يقينا. هذا هو حكم الله في ما يختلفون فيه.
لو كانوا يختلفون في شخص المصلوب لحكم الله في ذلك وقال: وما صلبوه يقينا. ونفي الصلب ينفي معه القتل من باب أولى. لكن الله قال: وما قتلوه يقينا، ونفي القتل لا ينفي الصلب.
وحتى لو افترضنا أنه كان هناك شبيه وأن الحاضرين كلهم جميعا ظنوا أنه هو المسيح فلماذا يجعل الله قتل الشبيه محل خلاف وهو الذي أراد أن يصلب رجل آخر بدلا من المسيح؟
إذن لم يكن هناك شبيه وإنما المسيح عليه السلام هو الذي نفى عنه الله القتل الذي كان محل خلاف بين المشاهدين، فريق يقول: قتل، وفريق آخر يقول: توفي لأنهم يعلمون أن المسامير لوحدها لا يتحقق بها القتل إلا إذا طبقت عملية الصلب كما ينبغي أن تكون وذلك بكسر ساق المصلوب فيموت من أثراالنزيف.
و بعد أن نفى الله القتل (وما قتلوه يقينا) قال بعدها: بل رفعه الله إليه
وكان الله عزيزا حكيما. فترك الأمر للعقل أن يتدبر، فحتى لو كان الجسد أمامهم بدون روح فإن الروح رفعه الله إليه، ويصح أن يتكلم الله عن روح المسيح بالضمير في (رفعه) فالمسيح سماه الله (روح منه). ويفهم من (بل رفعه الله إليه) أن الله توفاه باعتبار أن قاريء القرآن قد قرأ سابقا (إني متوفيك ورافعك إلي).
ما الحكمة في أن تكون نجاة عيسى عليه السلام من القتل بهذه الكيفية التي أرادها الله؟ وإذا تسائل أحد: لماذا لم تكن النجاة بعدم تمكين أعداءه منه؟
الجواب: لأن الله يقابل مكرا بمكر (ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين)، كما قابل كيد قوم إبراهيم بكيده فتمكن قوم إبراهيم من إلقاءه في النار فأنجاه الله منها بقوله (كوني بردا وسلاما على إبراهيم). والأنبياء هم أشد الناس بلاء فنالوا الدرجات العلا لأنهم أوذوا في سبيل الله.
ويريد الله أن يقيم الحجة على المرسل إليهم لكي لا يفتنهم أحد فيتخذوا المسيح إلها بأن جعل المسيح غير قادر على نصر نفسه،
: (أم لهم (آلهة) تمنعهم من دوننا لا يستطيعون (نصر أنفسهم) ولا هم منا يصحبون).
وكذلك يذكر الله المرسل إليهم بالبرهان لكي لا يضلوا فيتخذوا المسيح إلها بأن أمات المسيح فتأكدوا من ذلك، فكأن الله يقول لهم: إن الإله هو الذي يملك الحياة فلا يموت، ولو كان المسيح إلها لما مات، ولو كان إلها لقال لأعداه موتوا فماتوا لا أن يتمكنوا منه، إذن فهو لا يملك حياة ولا موتا ولا نشورا: (واتخذوا من دونه (آلهة) لايخلقون شيئا وهم يخلقون ولايملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولايملكون (موتا) ولا (حياة) ولا (نشورا).
أكتفي بهذا.
والسلام.
ـ[الحسن الهاشمي المختار]ــــــــ[10 - 11 - 2005, 11:01 ص]ـ
إن مثل الناس في الحياة الدنيا كمثل التلاميذ في المدرسة، والرسل هم المعلمون، والمنهج هو الهدى الذي يأتي به الرسل.
وكما أن التلاميذ لا يمتحنون إلا بعد أن تفسر لهم الدروس فيفهمونها،
كذلك الله تعالى لا يمتحن قوما بعد هدايتهم حتى يبين لهم ما يتقون.
فكان من الحكمة أن يبين الله لقوم عيسى عليه السلام كل ما يتقوا به الفتنة التي سيوحيها لهم إبليس بزعمه أن الله هو المسيح تجسد في عيسى. والدرس الذي يريد الله أن يفقهه قوم عيسى هو أن المسيح عبد لله مثل سائر البشر، والآية التي أظهرها الله في عازر وكل من أحياهم الله بدعاء من عبده عيسى يجب أن تطبق في المسيح نفسه لكي يتذكر الناس أنه لو كان إلها لما فعل به كما فعل بعازر فيستيقنوا أن المسيح عليه السلام ما هو إلا عبد أنعم الله عليه، لذلك كان من الحكمة أن يعلن الله وفاة عيسى ويؤكدها بكيفية تجعل كل الناس يستيقنوا موته، وأنسب كيفية لتحقيق ذلك هو جعل وفاته أمام الناس (أنصاره وأعداءه)، فكانت عملية الصلب هي التي يتحقق منها مراد الله، وتلك هي الحجة التي أراد الله أن يقيمها على الناس لعلهم يتذكرون.
فلو كان إلها لنصر نفسه ولما وقع بأيدي أعداءه، أيكون إلها وهو لا يستطيع نصر نفسه!!؟ أيكون إلها ولا يميتهم!!؟ أيكون إلها ولا يملك حياة!!؟ أيكون إلها ولا يملك نشورا!!؟ لو كان يملك نشورا لأحيى نفسه وعاد إلى قومه.
ومع كل هذه الحجج استطاع إبليس أن يضلهم فأوحى إليهم أن المسيح هو الله وهو ابن الله في نفس الوقت،
لقد كانت شهادة الله كافية شافية تبين منها الحق كله بحيث لا تحتاج لإضافة أقوال أخرى، وكفى بالله شهيدا.
فماذا تقولون أيها الإخوة؟
¥