خلاصة القول:
إن من أهم الأمور التي تفرضها الحكمة في رسالة عيسى عليه السلام هي وجوب موته في ختام تبليغ رسالته لكي تكون حجة على الناس الذين قالوا إن الله هو المسيح حتى لا يقولوا إنه لم يمت فظننا أن المسيح هو الله لأنه هو وحده الذي لا يموت.
يجب أن تؤكد وفاة المسيح للناس بحيث لا يختلف اثنان في كونه قد فقد الحياة، وأنسب طريقة لتوثيق هذه الحجة هي أن يتوفى الله المسيح أمام أعين الناس فلا يختلفون إلا في كونه أمات أم قتل. وكلاهما يعنيان فقدان الحياة.
قلت من قبل إن الله يؤتي الرسل الآيات ومثلها في أنفسهم، وكون المسيح عليه السلام يموت موتتين فذلك موافق لما أتى به من آيات.
فقد مات عازر فأحياه عيسى بإذن الله فعاش ما شاء الله ثم مات موتته الثانية والأخيرة. وهكذا كل الذين أحياهم عيسى عليه السلام عاشوا ثم ماتوا موتتهم الثانية والأخيرة.
إذن فمن الحكمة أن تطبق آية عيسى في نفسه فيموت ثم يحيى ثم يموت.
ولما افتتن اليهود بعزير فزعموا أن عزيرا ابن الله أماته الله 100 عام ثم بعثه وفي ذلك آية أنه لو كان ابنا لله لما أماته الله.
فعزير مات هو الآخر موتتين.
لقد كانت وفاة المسيح سلاما لم يتألم فيها ولم يكسر له فيها عظم كما كانت النار بردا وسلاما على إبراهيم، وذلك هو مكر الله الذي رد به الله على مكر أعداءه. لم يتألم من أثر المسامير، فإذا كان الإنسان اخترع شيئا اسمه البنج يستطيع بواستطته أن يبتر أي عضو من أعضاء الجسم دون الإحساس بالألم فما بالك ب (حتة مسمار)!!
لقد شبه للناس أن المسيح تألم على الصليب فمات بسبب ذلك، (وهذا هو القتل) بينما الحق هو ما قاله الله في أنه توفي بسلام.
قال تعالى: وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم).
ونفي الشيء له معنيان:
عدم وقوعه بالفعل. أو وقوعه بالفعل مع عدم تأديته الغرض المطلوب. مثلا: إذا قلت لك: إنك لم تغلق الباب. فهناك احتمالان:
إما أنك لم تغلق الباب بالفعل، أم أنك لم تغلقه بإحكام كما ينبغي.
إذا رسب ابني في الامتحان فإني أقول له: ما ذاكرت دروسك حتى لو كنت قد رأيته يذاكر دروسه قبل الامتحان لأن النتيجة لم تتحقق التي هي النجاح.
وقد ينفى وقوع الشيء حينما يرد تحقيقه إلى من لو يشاء لما تحقق.
قال تعالى: فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم) نفى الله عن المؤمنين قتل الكفار لأن الله هو الذي وفقهم فلو شاء لما تحقق القتل.
كذلك القول في: وما رميت إذ رميت إذ رميت ولكن الله رمى.
إذن فقوله تعالى: وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) تحتمل إحدى الفرضيتين:
إما أنه لم يحصل لا قتل ولا صلب. أو أن الصلب وقع بالفعل ولكنه لم يحقق هدفه الذي هو القتل،
ماذا عن قوله تعالى (شبه لهم)؟
إذا بني فعل (شبه) للمجهول وأريد به أن يعني (وقع الشبه على رجل آخر) فلا بد من ذكر المشبه به، كأن يقول: ولكن شبه لهم بأحد رجالهم.
وبما أن المشبه به لم يذكر في الآية فإننا لا نأتي به من عند أنفسنا إلا إذا كان قد قال بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن لم يقل بذلك رسول الله فعلى المدعي البينة، وأنى له أن يأتي بالبينة وهو لم يشهد حادثة وفاة المسيح.
وحيث أنه لا توجد بينة فإننا نأخذ (شبه لهم) على قاعدتها التي تستعمل في الكلام مثل قولي بعدما رسب ابني في الامتحان: ما ذاكر ابني دروسه ولا راجعها ولكن شبه لي). قلت هذا الكلام لأني كنت أرى ابني فاتحا كتابه يقرأه.
ولو أن الله تعالى أنجى إبراهيم من النار وأخفاه عن قومه فظنوا أنهم أحرقوه لكان كلامنا صحيحا إذا قلنا عن قومه: وما أحرقوه وما أضرموا فيه النار ولكن شبه لهم.
على أي حال سيتبين لنا اليقين حينما نعرض (الشبيه) على شهادة الله التي تبدأ من الآية 157 إلى الآية 158 من سورة النساء.
ـ[الحسن الهاشمي المختار]ــــــــ[08 - 11 - 2005, 12:20 م]ـ
ليس بيننا شاهد عيان لما حدث لعيسى عليه السلام سوى رواية أهل الكتاب وشهادة الله في القرآن.
فإن كان ما أجمع عليه النصارى قد حدث حقا فإن القرآن جاء تصديقا لما بين يديه من الحق، وإن كان كذبا فإننا سنجد تكذيبا لهم في القرآن.
أجمع النصارى أن المسيح قبض عليه جنود الرومان بتحريض من علماء اليهود وبوشاية من أحد تلاميذه الخونة، وأنه سيق إلى الصليب
¥