تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لذلك نميل الى أن اللغة العربية ـ دون سواها من لغات العالم ـ تتميز بخصائص بلاغية، والبلاغة العربية ـ وهي الأصل في البلاغة العالمية دون تأثير إغريقي أو أجنبي ـ تتمتع بخصائص فنية، والمجاز في صيغيته البيانية يحتضن كلا من الخصائص في اللغة والبلاغة معا، لأن أصل البلاغة المجاز، واللغة العربية لغة المجاز، فصغروية المقارنة بكبرويتها أوصلت الى هذه النتيجة البديهية ضرورة كما هو تعبير المناطقة في استخلاص الحقائق وبرمجتها منطقيا في شؤون الاستدلال قياسيا أو بديهيا.

ولا غرابة في هذا الملحظ الاستقرائي لطبيعة الأشياء، فالمجاز فن أصيل في لغة العرب، له مقاييسه الفنية، ومعاييره القولية عند العرب بخاصة، لأنه يعنى بإرادة المعاني المختلفة، وهم يميلون الى هذا الموروث الحضاري، وهو يعنى أيضا بتقليب وجوه اللفظ الواحد لا في الأشياء والنظائر بل في المعاني الثانوية، فينتقل باللفظ من وضعه الأصلي المحدد له مركزيا، الى وضع جديد طارىء عليه تجدده العلاقات الفنية، وهذا من أهم الخصائص التي يمتاز بها المجاز ويؤهله للتوسع في اللغة، وذلك بإضافة المعاني الجديدة الى نفس اللغة بنفس الألفاظ مرتبطة بأصول بلاغية لا تخرجها عن دلالتها الأولى في جذورها اللغوية في أصل الوضع، بل تضيفها اليها توسعا بإرادة المعاني الثانوية هذه، ولا تكون هذه الإرادة إلا بمناسبة، ولا المعاني المستحدثة إلا بقرينة، وبذلك يتحدد الاستعمال المجازي وتحدد دلالته أيضا بضوابط أساسية تدفع عنه النبو والارتجال، وتحفظه من الأغراب والابتعاد عن الذائقة الفطرية عند المتلقي؛ فقد يكون القمر وجها، والجبل وقارا، والغصن اعتدالا، والبان قواما، ولكن لا


(1) عباس محمود العقاد، اللغة الشاعرة: 40.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير