تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

خصائص المجاز الفنية في القرآن الكريم تنطلق من مهمته الإبداعية، ومن مهمته الإضافية للتراث، ومن مهمته التهذيبية للنفس، ومن مهمته التنزيهية للباري .. هذه المهمات وظائف أساسية في منظور المجاز القرآني، وهو مؤشرات صلبة تحدد لنا تحرير الألفاظ، وتوجيه المعاني في خصائص المجاز القرآني التي لمسناها في الأسلوب والنفس، ومظاهر الاستدلال العقلي، وعلى هذا فسنقف عند الخصائص الأسلوبية، والنفسية، والعقلية للمجاز القرآني فحسب، فهي بعمومها تشكل المناخ الفني لخصائص هذا المجاز، ذلك من تتبع مجالات الاستعمال في الأعم الأغلب من مجاز القرآن.

2 ـ الخصائص الأسلوبية في مجاز القرآن

خصائص المجاز اللغوية في القرآن الكريم، فضلا عن كونها خصائص فنية من وجه، ومؤشرات إعجازية من وجه آخر، فهي بمفهوم غير اعتباطي خصائص أسلوبية متطورة للموروث اللغوي. في المجاز تدرك مركزيا أن اللفظ هو اللفظ، لم يتغير ولم يتبدل حروفا وأصواتا وهيأة، والمعنى لهذا اللفظ ذاته هو المعنى نفسه لم ينقص عنه شيئا، إلا أنه قد ازداد معنى غير المعنى الاولي في دلالته الثانوية الجديدة حينما يراد به الاتساع الى الاستعمال المجازي، وبتطور ذهني، وتصور متبادر إليه، من خلال السياق والإرادة والمغادرة المعنوية لأي لفظ من الألفاظ موقعة الى موقع أرق، وحدث أكبر، فهو في حالته المثبتة في معجمه الأجتماعي لم يتغير معناه الحقيقي في استعماله الحقيقي، وإنما بقي على ماهو عليه، وقد كانت القرينة الدالة على المعنى الإضافي هي الصارفة عن المعنى الأولي الى سواه في الاستعمال المجازي، سواء أكانت القرينة حالية أم مقالية.

هذا التركيب الجديد في العبارة في الألفاظ المفردة في المجاز اللغوي وفي العلاقات بين الألفاظ في المجاز العقلي، يستغين بها المتلقي


(89)

عن كل التراكيب المماثلة أو المخالفة في المعاني المرادة في البنية اللغوية، فالإيجاز خصيصة أسلوبية في هذا الملحظ، والتطوير خصيصة ثانية في هذا الأسلوب، فلا حاجة الى إسناد جملي جديد يسد مسد التركيب المجازي في اللفظ المفرد الموضوع لأصل ويقل عنه تفريغا وتنويعا الى معان مبتكرة، يستغنى بذكرها مفردة مجازية منها عن إنشاء آخر للدلالة على تلك المعاني.
وقد يقال: وما هذا الالتواء في اصطياد المعاني المستحدثة من ذوات الكلم وأنفس الألفاظ، ولماذا لا نغير العبارة ونأتي بها على صيغتها في الأصل للدلالة على المعنى الأصل دون تجوز ومغادرة للدلالة المركزية في هذا اللفظ أو ذاك. وللإجابة عن هذه المقولة لا بد من التنويه بالحقائق المنهجية لمسيرة لغة القرآن العظيم، وهي لغة غير جامدة، تستمد معينها الثر مواصفات أكثر عمقا من سطحية التقول والأفتراض الذي قد يجانب الواقع اللغوي لطبيعة هذه اللغة الكريمة.
كان العرب بفطرتهم النقية أئمة بيان لا شك في هذا، والبيان العربي ذو جذور معرفة في القدم والأصالة يتكون مجموعه من عشرات الآلاف من الألفاظ، ولو كررت الألفاظ نفسها لكان الكلام واحدا، والتفاوت في الجودة والامتياز متلاشيا، وإذا كان الكلام واحدا والتفاوت بين أبعاده مفقودا، لذهبت خصائص البيان الأسلوبية، ولأصبحت حالته متفردة، غير قابلة للتفاضل، واذا تحقق هذا، فقد فقدت البلاغة العربية موقعها، والبيان العربي مميزاته، وحينما يكون المنظور الى الفن القولي متساويا، فما معنى الإعجاز البياني واللغوي والبلاغي في القرآن الكريم، وما هي عائدية قوله تعالى في التحدي للبشرية جمعاء حينما يصرخ:
(وإن كنتم في ريب ممّا نزّلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين *) (1).
هذا التحدي قائم منصلتا على الإعجاز في القرآن ويعني هذا عجز الكائنات البليغة عن الإتيان ولو بسورة واحدة من جنس هذا البيان، وعدم

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير