تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذه الجهود أثمرت أكلها حينما وجدت آذانا واعية، وأسماعا مصغية لدى الشباب المتحفز في جامعات الوطن العربي، فاتسمت بحوثهم بإشارات قيمة لجملة من صنوف البيان القرآني تعتمد المنهج البلاغي روحا ومسلكا في الكشف عن وجوه الإعجاز تارة، وبالدعوة الى خوض عباب القرآن، وكشف كنوزه وأسراره بالتدريس تارة أخرى.

2 ـ في الفصل الثاني وقفنا عند مجاز القرآن وأبعاده الموضوعية فبحثنا بتركيز ما يأتي:

أولا: ـ حقيقة المجاز بين اللغة والاصطلاح فكان المعنى الاصطلاحي لحقيقة المجاز مستمدا من الأصل اللغوي، إذ كشف عبد القاهر العلاقة بين اللغة والاصطلاح في اشتقاق لفظ المجاز في مجانسة المعنى المنقول له اللفظ في دلالته على المعنى الثانوي من المناسبة فيه للمعنى الأولي، وهذا يعني وجود علاقة متينة بين التعريف للمجاز لغة واصطلاحا لتقارب الأسر اللغوي للمعنى الاصطلاحي، وانبثاق الحد الاصطلاحي من المعنى اللغوي، فالاجتياز هو الأصل للمعنيين، فكما يجتاز الإنسان من موضع الى موضع، كذلك تجتاز الكلمة موقعها الأصلي وتتخطاه الى موقع جديد.

ثانيا: ـ ووجدنا مجاز القرآن في الذروة من البيان العربي، وثبت لنا وقوعه دون أدنى شك في كوكبة كبيرة من ألفاظه وتراكيبه تعد في قمة الاستعمال البياني، ورددنا الحمل على الظاهر في جملة صالحة من التعبير القرأني المتوالي في مجالات متعددة من نصوصه الكريمة، وحققنا القول في مقولة إنكار المجاز القرآني، والتطرف في حمل ما ورد في القرآن على المجاز وإن كان حقيقة لا تجوز معها، ولاحظنا الخلاف التقليدي في هذا الملحظ، وتحقق لنا من خلال مناقشة الآراء، والاستناد الى التعبير النصي للقرآن أن المورد المجزي في القرآن جاء لتحقيق المعنى المراد، فأضاف


(168)

الى الحقيقة في الألفاظ إضاءة جديدة، لولاه لم تكن متميزة بهذا الشكل البياني الأصيل.
ثالثا: ـ وبعد هذه الحقيقة الفنية، وجدنا أن مجاز القرآن لا يختلف عن المجاز العربي بعامة، فهو في القرأن نوعان:
مجاز عقلي ومجاز لغوي، بغض النظر عن التفريعات الأخرى التي لا تتعدى حدود التقسيم العام، أو هي جزئيات تابعة لكليّ المجاز باعتباره عقليا ولغويا. وبحثنا بعض الإضافات في المسميات عند القدامى، وبعد جهد جهيد أرجعناهما الى هذين الأصلين في دور النضج البلاغي، وكان ذلك جهدا فريدا قائما على أساس الاستدلال البديهي تارة والقياس المنطقي تارة أخرى، مستندا في كل ذلك الى التعبير القرآني ليس غير.
رابعا: ـ انتهينا أن مجاز القرآن: عقلي ولغوي، فاللغوي ما استفيد فهمه عن طريق اللغة وأهل اللسان، بما يتبادر إليه الذهن العربي عند الإطلاق في نقل اللفظ من معناه الأصل الى المعنى الجديد. والعقلي ما استفيد فهمه عن طريق العقل، وسبيل الفطرة في الذائقة من خلال جملة من الأحكام الطارئة التي تجري على الجملة ويحكم بها العقل عند الإسناد. والقرآن قد استوعب نماذج النوعين حينما نحاول استخراجهما من بحره المحيط.
3 ـ في الفصل الثالث: أقمنا عند مجاز القرآن وخصائصه الفنية فكان فصلا متميزا يستند الى الكشف المضني، والاستقراء الدقيق، والملاحظة السليمة النافذة، بدأناه بخصائص المجاز الفنية في مراعاة المناسبة المانعة من الخلط المرتجل تارة، والضابطة من المجاز المشوه تارة أخرى، فكانت النقلة في خصائص المجاز نقلة حضارية وإنسانية الى مناخ أوسع شمولا، وأبلغ تعبيرا، إذ تشيع هذه النقلة في النص القرآني: الحياة في الجماد، والبهجة في الأحياء، وتضيف الحسّ الى الكائنات، فيصورها القرآن جميعا: ناطقة تتكلم، ورائدة تتصرف، فضلا عن سلامة الألفاظ في المؤدى، وصيانة الذات القدسية عن الجوارح، وتعاليه عن الحركة والانتقال. ولدى اقتران الغرض الفني في القرآن بالغرض الديني، لمسنا خصائص المجاز الفنية في القرآن الكريم فكانت:

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير