تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يقول الزمخشري في هذه الآية:

فإن قلت ما فائدة هذه النقلة من لفظ المتكلم إلى لفظ الغائب؟ قلت: غير واحدة.

منها عادةُ الإفتنان في الكلام وما يعطيه من الحسن والروعة، ومنها أن هذه الصفات إنما تسردت مع لفظ الغيبة. ومنها أنه قال أولاً: أنزلنا ففخم الأسناد إلى ضمير الواحد المطاع، ثم ثنى بالنسبة إلى المختص بصفات العظمة والتمجيد فضوعفت الفخامة من طريقين، ويجوز أن يكون أنزلنا حكاية لكلام جبريل والملائكة النازلين معه.

ووصف السموات بالعلى دلالة على عظمة قدرة من يخلق مثلها في علوها وبعد مرتقاها.

{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (5)

هنا تظهر عقيدة الإعتزال لدى الزمخشري فيعمد إلى تفسير استوى بالمعنى الكنائي.

والكناية لفظ أريد به لازم معناه مع جواز إرادة معناه حينئذ.

يقول:

لما كان الاستواء على العرش وهو سرير الملك مما يردف الملك، جعلوه كناية** عن الملك فقالوا: استوى فلان على العرش يريدون ملك وان لم يقعد على السرير البتة، وقالوه أيضاً لشهرته في ذلك المعنى ومساواته ملك في مؤداه وان كان أشرح وأبسط وأدل على صورة الأمر. ونحوه قولك: يد فلان مبسوطة، ويد فلان مغلولة، بمعنى أنه جواد أو بخيل، لا فرق بين العبارتين إلا فيما قلت. حتى أن من لم يبسط يده قط بالنوال أو لم تكن له يد رأساً قيل فيه يده مبسوطة لمساواته عندهم قولهم: هو جواد. ومنه قول الله عز وجل: "وقالت اليهود يد الله مغلولة" أي هو بخيل،" بل يداه مبسوطتان" أي هو جواد، من غير تصور يد ولا غل ولا بسط.

{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا} في هذه الآية يسأل الله عز وجل موسى عمّا في يده وهو سبحانه وتعالى أعلم. فما القصد من السؤال؟ لعل في السؤال المعلوم إجابته، لفتة لطيفة. وهي أن الله سبجانه أراد أن لا يُفاجأ موسى بتحويل العصا إلى حيى دون سابق إنذار وإعلام.

وقد يكون غير هذا يقول الزمخشري:

إنما سأله ليريه عظم ما يخترعه عز وعلا في الخشبة اليابسة من قلبها حية نضناضة وليقرر في نفسه المباينة البعيدة بين المقلوب عنه والمقلوب إليه، وينبهه على قدرته الباهرة. ونظيره أن يريك الزراد زبرة من حديد ويقول لك: ما هي. فتقول: زبرة حديد، ثم يريك بعد أيام لبوساً مسرداً فيقول لك: هي تلك الزبرة صيرتها إلى ما ترى من عجيب الصنعة وأنيق السرد.**

وفي معرض إطنابه في إيراد المعاني اللغوية في تفسير (الحية) يقول:

فإن قلت: كيف ذكرت بألفاظ مختلفة: بالحية، والجان، والثعبان؟ قلت: أما الحية فاسم جنس يقع على الذكر والأنثى والصغير والكبير. وأما الثعبان والجان فبينهما تناف لأن الثعبان العظيم من الحيات، والجان الدقيق. وفي ذلك وجهان: أحدهما أنها كانت وقت انقلابها حية تنقلب حية صفراء دقيقة، ثم تتورم ويتزايد جرمها حتى تصير ثعباناً، فأريد بالجان، أول حالها، وبالثعبان مآلها. الثاني: أنها كانت في شخص الثعبان وسرعة حركة الجان. والدليل عليه قوله تعالى: "فلما رآها تهتز كأنها جان" النمل:10 وقيل: كان لها عرف كعرف الفرس. وقيل: كان بين لحييها أربعون ذراعاً.

{قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26)} في هذه الآية يظهر أسلوب الإطناب، والإطناب هو بسط الكلام بفائدة. وهو خلاف الإسهاب حيث هو بسط الكلام لغير فائدة. لذلك يقال الإسهاب عِي والإطناب بلاغة ..

يقول الزمخشري:

لما أمره بالذهاب إلى فرعون الطاغي لعنه اللّه عرف أنه كلف أمراً عظيماً وخطباً جسيماً يحتاج معه إلى احتمال ما لا يحتمله إلا ذو جأش رابط وصدر فسيح، فاستوهب ربه أن يشرح صدره ويفسح قلبه، ويجعله حليماً حمولاً يستقبل ما عسى يرد عليه من الشدائد التي يذهب معها صبر الصابر بجميل الصبر وحسن الثبات، وأن يسهل عليه في الجملة أمره الذي هو خلافة الله في أرضه وما يصحبها من مزاولة معاظم الشؤون ومقاساة جلائل الخطوب. فإن قلت: "لِى" في قوله: "اشرح لي صدري، ويسر لي أمري" ما جدواه والكلام بدونه مستتب؟ قلت: قد أبهم الكلام أولاً فقيل: اشرح لي ويسر لي، فعلم أن ثم مشروحاً وميسراً، ثم بين ورفع الإبهام بذكرهما، فكان آكد لطلب الشرح والتيسير لصدره وأمره، من أن يقول: اشرح صدري ويسر أمري على الإيضاح الساذج، لأنه تكرير للمعنى الواحد من

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير