تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

طريقي الإجمال والتفصيل.

وجاء في كتاب إيضاح المعاني للحسن بن عثمان بن الحسين المفتي في معرض شرح الإطناب وأقسامه ما يلي:

فإيضاح نحو قوله تعالى {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} هذا يفيد طلب شرح شيء ما للطالب وهو موسى عليه السلام، يعني أنه لم ذلك إلا أنه يطلب شرح ما عنده، ولم يعلم أن ذلك الشيء الذي يطلب شرحه ما هو؟

فقوله {صَدْرِي} يفيد إيضاح ذلك الشيء، أي فكان هذا ألذ به لطلب الشرح من أن يقال: أشرح صدري على الإيضاح الصرف بدون الإجمال أولاً والتفصيل ثانياً، والمقام مقام تأكيد الطلب؛ لأن هذا الطلب منه عليه الصلاة والسلام، إنما كان وقت إرساله المقرون بمقاساة المكارم، المقتضي بأن يسأل ربه على أبلغ الوجوه، أن يشرح صدره، ويجعله حليماً حمولاً يستقبل ما يرد عليه من الشدائد، وعلى هذا كان التأكيد بقوله تعالى {وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} فإنه يسأل عن أبلغ الوجوه أن يسهل عليه أمره، الذي هو خلافة الله تعالى في أرضه، وما يصاحبها من مزاولة جلائل الخطوب، والأنسب أن يكون هذا الإيضاح للتفخيم، كما لا يخفى، يعني بالإيضاح الذي بعد الإبهام أنه يحتمل للأغراض الثلاثة المذكورة. (تقسيمه للإطناب كالتالي:

بيان بعد إيهام، تكميل لذة العلم بالمعنى، تفخيم الشيء المبين وتعظيمه.).

{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)}

ويعود الزمخشري ويتفنن في إظهار المعاني وربطها بالمدلولات اللغوية.

يقول:

إيجاس الخوف: إضمار شيء منه، وكذلك توجس الصوت: تسمع نبأة يسيرة منه، وكان ذلك لطبع الجبلة البشرية، وأنه لا يكاد يمكن الخلو من مثله. وقيل: خاف أن يخالج الناس شك فلا يتبعوه "إنَكَ أَنتَ الأَعلى" فيه تقرير لغلبته وقهره، وتوكيد بالاستئناف وبكلمة التشديد وبتكرير الضمير وبلام التعريف وبلفظ العلو وهو الغلبة الظاهرة وبالتفضيل. وقوله "مَا فِى يَمينك" ولم يقل عصاك: جائز أن يكون تصغيراً لها، أي: لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم، وألق العويد الفرد الصغير الجرم الذي في يمينك، فإنه بقدرة اللّه يتلقفها على وحدته وكثرتها، وصغره وعظمها، وجائز أن يكون تعظيماً لها أي: لا تحتفل بهذه الأجرام الكبيرة الكثيرة، فإن في يمينك شيئاً أعظم منها كلها، وهذه على كثرتها أقل شيء وأنزره عنده، فألقه يتلقفها بإذن الله ويمحقها. وقرىء "تلقف" بالرفع على الاستئناف أو على الحال، أي: ألقها متلقفة وقرىء "تلقف" بالتخفيف. "صنعوا" ههنا بمعنى زوروا وافتعلوا كقوله تعالى: "تلقف ما يأفكون" الأعراف: 117، قرىء "كَيدُ سَحِر" بالرفع والنصب. فمن رفع فعلى أن ما موصولة. ومن نصب فعلى أنها كافة. وقرىء: "كيد سحر" بمعنى: في سحر، أو ذوي سحر. أو هم لتوغلهم في سحرهم كأنهم السحر بعينه وبذاته. أو بين الكيد، لأنه يكون سحراً وغير سحر، كما تبين المائة بدرهم. ونحوه: علم فقه، وعلم نحو. فإن قلت: لم وحد ساحر ولم يجمع. قلت: لأن القصد في هذا الكلام إلى معنى الجنسية، لا إلى معنى العدد، فلو جمع، لخيل أن المقصود هو العدد. ألا ترى إلى قوله: "وَلا يُفلِحُ الساحر" أي هذا الجنس. فإن قلت: فلم نكر أولاً وعرف ثانياً. قلت: إنما نكر من أجل تنكير المضاف، لا من أجل تنكيره في نفسه كقول العَجاج:

في سَعي دُنيَا طَالَمَا قَد مَدت

وفي حديث عمر رضي الله عنه: لا في أمر دنيا ولا في أمر آخرة المراد تنكير الأمر، كأنه قيل: إن ما صنعوا كيد سحري. وفي سعي دنيوي. وأمر دنيوي وأخروي "حَيث أَتَى" كقولهم: حيث سير، وأية سلك، وأينما كان.

"فألقى السحرة سجداً قالوا ءامنا برب هرون وموسى".

سبحان الله ما أعجب أمرهم. قد ألقوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود ثم ألقوا رؤوسهم بعد ساعة للشكر والسجود، فما أعظم الفرق بين الإلقاءين وروي: أنهم لم يرفعوا رؤوسهم حتى رأو الجنة والنار ورأوا ثواب أهلها. وعن عكرمة: لما خروا سجداً أراهم الله في سجودهم منازلهم التي يصيرون إليها في الجنة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير