تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120)}

في هذه الآية يأخذ الزمخشري في عقد مقارنة لغوية بين استخدام للفظين في القرآن.

فإن قلت: كيف عدّى وسوس تارة باللام في قوله: "فوسوس لهما الشيطان" الأعراف: 20 وأخرى بإلى؟ قلت: وسوسة الشيطان كولولة الثكلى ووعوعة الذئب ووقوقة الدجاجة، في أنها حكايات للأصوات وحكمها حكم صوت وأجرس. ومنه: وسوس المبرسم، وهو موسوس بالكسر. والفتح لحن. وأنشد ابن الأعرابي:

وسوَسَ يَدعُو مُخلِصاً رَبَّ الفلق

فإذا قلت: وسوس له، فمعناه لأجله، كقوله:

أَجرِس لَهَا يَا ابن أَبي كِبَاشِ

ومعنى وسوس إليه أنهى إليه الوسوسة، كقولك: حدّث إليه وأسرّ إليه. أضاف الشجرة إلى الخلد وهو الخلود، لأن من أكل منها خلد بزعمه، كما قيل لحيزوم: فرس الحياة، لأن من باشر أثره حيي "وَملكَ لا يبلى" دليل على قراءة الحسن بن عليّ وابن عباس رضي الله عنهم: "إلا أن تكونا ملكين" الأعراف: 20، بالكسر.

"فأكلا منها فبدت لهما سوأتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى" طفق يفعل كذا مثل: جعل يفعل، وأخذ، وأنشأ. وحكمها حكم كاد في وقوع الخبر فعلاً مضارعاً، وبينها وبينه مسافة قصيرة هي للشروع في أوّل الأمر. وكاد لمشارفته والدنوّ منه. قرىء "يخصفان" للتكثير والتكرير، من خصف النعل وهو أن يخرز عليها الخصاف، أي: يلزقان الورق بسوآتهما للتستر وهو ورق التين. وقيل: كان مدوراً فصار على هذا الشكل من تحت أصابعهما. وقيل: كان لباسهما الظفر، فلما أصابا الخطيئة نزع عنهما وتركت هذه البقايا في أطراف الأصابع، عن ابن عباس: لا شبهة في أن آدم لم يمتثل ما رسم اللّه له، وتخطى فيه ساحة الطاعة، وذلك هو العصيان. ولما عصى خرج فعله من أن يكون فعلاً رشداً وخيراً، فكان غياً لا محالة؛ لأن الغيّ خلاف الرشد، ولكن قوله: "وَعَصَى آدَمُ ربه فَغَوَى" بهذا الإطلاق وبهذا التصريح، وحيث لم يقل: وزل آدم وأخطأ وما أشبه ذلك، مما يعبر به عن الزلات والفرطات: فيه لطف بالمكلفين ومزجرة بليغة وموعظة كافة، وكأنه قيل لهم: انظروا واعتبروا كيف نعيت على النبي المعصوم حبيب اللّه الذي لا يجوز عليه إلا اقتراف الصغيرة غير المنفرة زلته بهذه الغلطة وبهذا اللفظ الشنيع، فلا تتهاونوا بما يفرط منكم من السيئات والصغائر، فضلاً أن تجسروا على التورط في الكبائر. وعن بعضهم فغوى فبشم من كثرة الأكل، وهذا- وإن صح على لغة من يقلب الياء المكسور ما قبلها ألفاً فيقول في "فني، وبقي ": فنا، وبقا وهم بنوطيّ.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير