ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[30 - 11 - 2005, 02:26 م]ـ
ما بال الأخ لؤي لا يتدخل في هذا الموضوع
أخي جمال ..
أدام الله توفيقك في كل قول وفعل .. وفي كل رأي ونظر ..
فإني - كحال أخينا الغالي أبي سارة - من المستمتعين بأدب حواركم .. وبما تخطّه أناملكم ..
ولقد لفت انتباهي اختلافكم في اللامات .. فأقول مبتدئاً باللام في قوله تعالى: " فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ": إنها - وكما بيّنتم - لام العاقبة، وهي التي يسميها الكوفيون لام الصيرورة.
فإن آل فرعون لم يلتقطوا موسى عليه السلام ليكون لهم عدوّاً وحزناً، إنما التقطوه ليكون لهم فرحاً وسروراً. فلمّا كان عاقبة أمره إلى أن صار لهم عدواً وحزناً جاز أن يُقال ذلك، فدلّت اللام على عاقبة الأمر.
ومن مثل ذلك، قولك: أعددت هذه الخشبة ليميل الحائط فأدعمه بها. فإنه يفيد أنك لم ترد ميل الحائط، ولا أعددتها للميل، لأنه ليس من بغيتك وإرادتك. ولكن أعددتها خوفاً من أن يميل فتدعمه بها. والعرب قد تسمّي الشيء باسم عاقبته كما قال تعالى: " إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا " (يوسف: 36) .. فهو إنما كان يعصر عنباً، تؤول عاقبته إلى أن يكون خمراً فسمّاها بذلك.
وأما اللام في قوله تعالى: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ "، فإن الذي عليه الجمهور أنها لام التعليل، بمعنى: ما خلقتهم إلا لأمرهم بعبادتي.
إذ إن الغاية من خلق العباد أن يعرفوا الله تعالى وصفات كماله عزّ وجلّ وأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، فيكون هو وحده إلههم ومعبودهم ومطاعهم ومحبوبهم. فهذه الغاية هي المرادة من العباد، ولأجلها وُضع الثواب والعقاب، وأنزلت الكتب، وأرسلت الرسل ..
قال نوح عليه السلام لقومه: " اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ " (الأعراف: 59).
وقال هود عليه السلام لقومه: " اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ " (الأعراف: 65).
وقال صالح عليه السلام لقومه: " اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ " (الأعراف: 73).
وقال شعيب عليه السلام لقومه: " اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ " (الأعراف: 85).
وقال تعالى: " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ " (النحل: 36).
وقال تعالى: " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ " (الأنبياء: 25).
وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " (البقرة: 21).
فالتعبّد هو مدار الأمر، وهو علّة الخلق، فمن أطاع فقد اهتدى، ومن فسق عن أمر ربّه ضلّ وغوى.
أما أن تكون اللام "لام العاقبة" فلا يجوز لأمرين: الأول: لحصول العلم بأن كثيراً من الخلق لا يعبدون الله أصلاً، والثاني: لأن الله تعالى يقول في موضع آخر: " وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ " (الأعراف: 179).
فقوله: (ذرأنا)، أي: خلقنا. واللام في (لجهنم) لام العاقبة دون خلاف. فكيف تكون - إذن - صيرورة الجن والإنس إلى العبادة مرة، وصيرورة كثير منهم إلى جهنم مرة؟ هذا محال!
والله أعلم ..