ـ[د. عدنان الاسعد]ــــــــ[10 - 01 - 2007, 05:57 م]ـ
الإحتباك لغةً
الإحتباك من الحبك ومعناه ((الشدُّ والإحكام وتحسين أثر الصنعة في الثوب)) (1) , وجاء في اللسان: ((الحبك الشدُّ, واحتبك بإزاره: احتبى به وشدَّه إلى يديه, والحبكة أن ترخي من أثناء حجزتك (2) من بين يديك لتحمل فيه الشيء ما كان , وقيل الحبكة: الحجزة بعينها ومنها اخذ الإحتباك بالباء وهو شدُّ الإزار)) (3).
ومما جاء بهذا المعنى ما روي عن عائشة – رضي الله عنها – إنها كانت تحتبك تحت الدرع في الصلاة , أي تشد الإزار وتحكمه (4) , قال أبو عبيد (ت 226هـ): ((الإحتباك: شد الإزار وإحكامه , يعني أنها كانت لا تصلي إلا مؤتزرة ((…….)) ويروى في قوله تعالى ((والسماء ذات الحبك)) (الذاريات: 7) حسنها واستواؤها)) (5).
قال الجوهري (ت 398هـ): ((الحباك والحبيكة: الطريقة في الرمل ونحوه ……وحبك الثوب يحبكه – بالكسر – حبكاً أي: أجاد نسجه, قال ابن الأعرابي: كل شيءٍ أحكمته وأحسنت صنعه فقد احتبكته)) (6).
وجاء في العين ((حبكته بالسيف حبكا, وهو ضرب في اللحم دون العظم ويقال: هو محبوك العجز والمتن إذا كان فيه استواء مع ارتفاع قال الأعشى:
على كل محبوك السراة كأنه عقاب هوت من مرقب وتعلت (7)
أي ارتفعت , وهوت: انخفضت , والحباك: رباط الحضيرة بقصبات تُعَرَّض ثم تُشَدُّ كما تحبك عروش الكرم بالحبال, واحتبكت إزاري شددته)) (8).
فالإحتباك إذاً هو شَدُّ الإزار, وكل شيءٍ أحكمته وأحسنت صنعه فقد احتبكته.
الإحتباك اصطلاحاً
أما في الاصطلاح البلاغي فقد بَيَّنَ الإمام جلال الدين السيوطي الصلة بينه وبين المعنى اللغوي فقال: ((مأخذ هذه التسمية من الحبك الذي معناه الشد والأحكام وتحسين أثر الصنعة في الثوب فحبك الثوب سد ما بين خيوطه من الفرج وشده وإحكامه بحيث يمنع عنه الخلل مع الحسن والرونق وبيان أخذه منه من أن مواضع الحذف من الكلام شبهت بالفرج بين الخيوط فلما أدركها الناقد البصير بصوغه الماهر في نظمه وحوكه فوضع المحذوف مواضعه كان حابكا له مانعا من خلل يطرقه فسد بتقديره ما يحصل به الخلل مع ما أكسبه من الحسن والرونق)) (9).
فعند سماع لفظ (احتباك) لأول وهلة يتراءى للذهن تلك الصورة من تداخل خيوط نسج الثوب أو قطع القصب مع بعضها وتفاوتها عن بعضها, كما توحي اللفظة بتراص الخيوط مع بعضها بحيث تندثر بينها الفرج التي تبدو عند عملية النسج البدائية, من خلال سحب هذه الخيوط بأصابع اليد , فهو عملية نسج من غير ترك فروج بين الخيوط او قطع القصب او مما ينسج منه.
عُرِفَ الإحتباك عند العلماء بأكثر من اسم , وعرفوه بأكثر من تعريف, فقد عُرِفَ عند الزركشي (ت 794هـ) بالحذف المقابلي وعرفه بقوله: ((هو أن يجتمع في الكلام متقابلان فيحذف من كلِّ واحدٍ منهما مقابله لدلالة الآخر عليه)) (10) , وذكره علي الجرجاني (ت 816هـ) باسم (الإحتباك) وورد عنده بكلام الزركشي نفسه (11) , وكل من جاء بعد الجرجاني سماه (الإحتباك) ,وقال عنه البقاعي–رحمه الله– (ت 855 هـ) في أحد المواضع: ((أن يؤتى بكلامين يحذف منهما شيءٌ إيجازاًَ, يدل ما ذكر على ما حذف من الآخر)) (12) ,وذكره السيوطي (ت 911 هـ) في تعريفه بأنه: ((أن يحذف من الأول ما اثبت نظيره في الثاني , ومن الثاني ما اثبت نظيره في الأول)) (13) , أما من المعاصرين فقد ذكره عبد الفتاح الحموز وقال عنه: ((أن
يحذف من الأول ما اثبت في الثاني, ومن الثاني ما اثبت في الأول)) (14) , وذكر الشيخ الشعراوي -رحمه الله- للإحتباك اسماً أخر وهو (تربيب الفائدة) وقال عنه: ((وهذا ما يسميه العلماء احتباكاً , وهو أن يأتي المتكلم بأمرين كلُّ أمر فيه عنصران المتكلم يريد أن يربي الفائدة بإيجازٍ دقيق فيجيء من العنصر الأول عنصر ويحذف مقابله من العنصر الثاني , ويجيء من العنصر الثاني عنصرٌ ويحذف مقابله في الأول)) (15).
وهذه التعاريف لا نراها شاملة , لأنَّ بعضها قيد الإحتباك بين الجمل المتقابلة , وبعضها قيدها بالتناظر , والآخر بالمثل أو المتشابه, والإحتباك أصلاً يشمل هذه الأنواع كلها , فيقع بين الألفاظ الضدية , وكما يقع بين الألفاظ المتشابهة , أو المتناظرة , أو بين المنفية والمثبتة , وقد يشترك نوعان منها في نصٍ واحد فيكون احتباكاً مشتركاً , وربما عنى العلماء بالتقابل والتناظر والتشابه , التناظر الوزني بين الجملتين لا العلاقات الضدية والمتناظرة ... الخ , أي إذا حذف من الجملة الأولى شيءٌ عوض عنه في الجملة الثانية , وإذا حذف ن الجملة الثانية شيءٌ عوض عنه في الجملة الأولى ما يدل عليه , ولذلك يحصل نوع من التوازن كما هو الحال في كفتي الميزان , ومنه تستنبط دلالة التقابل , أما كلام البقاعي فنراه الاقرب وذلك لأنَّه لم يحده بنوع معين من العلاقة بين الجمل المذكورة والمحذوفة , ولكن مع هذا يحتاج تعريفه إلى التوضيح والتبيين , ولهذا قمنا بوضع تعريف نراه شاملاً وموضحاً للاحتباك إلى حَدٍّ كبير , ونحن عند وضع هذا التعريف لا يعني أننا نأتي بشيءٍ جديد , ولكن هذا التعريف مستسقى من كلام معظم العلماء الذين ذكروا الإحتباك , مع التأليف بين النصوص لوضع صورة كاملة للاحتباك فنقول هو ((أن يؤتى بكلامين في النص في كلٍ منهما متضادان , أو متشابهان , أو متناظران , أو منفيان , أو يشترك نوعان منهما في نصٍ واحد , فيحذف من احد الكلامين كلمة , أو جملة إيجازاً يأتي ما يدل على المحذوف في الثاني , ويحذف من الثاني كلمة أو جملة أيضاً قد أتى ما يدل عليها في الأول , فيكون باقي كلٍّ منهما دليلاً على ما حذف من الأخر , ويكمل كل جزءٍ الجزء الأخر ويتممه ويفيده من غير إخلال في النظم ولا تكلف)).
¥