تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والموازنة فيها أحسنَ، ورأى العناية بها حتى تكونَ إخوةً من أبٍ وأمٍّ؛ ويذَرَها على ذلك تَتَّفقُ بالوداد، على حسب اتّفاقها بالميلاد، أَوْلى من أن يَدَعها، لنُصْرَة السجع وطلب الوزن، أولادَ عِلَّة، عسى أن لا يوجد بينها وفاق إلا في الظواهر، فأما أنْ يَتَعَدَّى ذلك إلى الضمائر، ويُخْلص إلى العقائِد والسَّرائر، ففي الأقلِّ النادر. وعلى الجملة فإنك لا تجد تجنيساً مقبولاً، ولا سَجَعاً حَسَنَاً، حتى يكون المعنى هو الذي طلبه واستدعاه وسَاق نحوَه، وحتى تَجِده لا تبتغي به بدَلاً، ولا تجِد عنه حِوَلاً، ومن ها هنا كان أَحْلَى تجنيس تسمَعُه وأعلاه، وأحقُّه بالحُسْن وأولاهُ، ما وقع من غير قصدٍ من المتكلم إلى اجتلابه، وتأهُّب لطلبه، أو مَا هو - لحسن مُلاءمته، وإن كان مطلوباً - بهذه المنزلة وفي هذه الصورة، وذلك كما يمثّلون به أبداً من قول الشافعي رحمه اللّه تعالى وقد سئل عن النَّبيذ فقال: "أجمع أهلُ الحرمين على تحريمه"، ومما تجده كذلك قولُ البحتري:

يَعْشَى عَنْ المجد الغبيّ؛ ُ ولَنْ تَرَى في سُؤدَدٍ أَرَباً لغير أريبِ

وقوله: فقد أصبحتَ أَغْلبَ تَغْلَبِيّاً على أيدي العَشِيرةِ والقلوب

ومما هو شبيه به قوله: وهوًى هَوَى بدُموعه فتَبَادَرَت نَسَقَاً يَطأنَْ تجلُّداً مغلوبا

وقوله: ما زِلْتَ تقرَعُ بَابَ بابَلَ بالقَنا وتزوره في غارةٍ شعواءِ

وقوله: ذَهَبَ والأعالِي حيثُ تَذْهَبُ مُقْلَةٌ فيه بنَاظِرِهَا حَدِيدُ الأسفلِ

ومثال ما جاء من السجع هذا المجيءَ وجرى هذا المجرى في لِين مقَادته، وحلَ هذا المحلِّ من القَبُولِ قولُ القائل: اللّهم هَبْ لي حمداً، وهَبْ لِي مجداً، فلا مجدَ إلا بِفَعالٍ، ولا فَعَال إلاّ بمال، وقولُ ابن العميد: فإن الإبقاء على خَدَم السلطان عِدْلُ الإبقاء على ماله، والإشفاق على حاشيته وحَشَمه، عِدْلُ الإشفاق على ديناره ودِرْهَمه. ولستَ تجد هذا الضرب يكثُر في شيءٍ، ويستمرُّ كَثْرَته واستمرارَه في كلام القدماء، كقول خالد: ما الإنسان، لولا اللسان، إلا صورة ممثلة، وبهيمة مُهْمَلة، وقول الفضل بن عيسى الرقاشي: سَلِ الأرض فقل: مَنْ شَقَّ أنهارك، وغرسَ أشجارك، وجنى ثمارك، فإن لم تُجبك حِواراً، أجابتك اعتباراً. وإن أنتَ تتبِّعته من الأثر وكلام النبي صلى الله عليه وسلم تَثِقْ كلَّ الثقة بوجودك له على الصِّفة التي قَدمتُ، وذلك كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الظُّلْم ظُلُماتٌ يوم القيامة"، وقوله صلوت اللّه عليه: "لا تزالُ أُمَّتِي بخيرٍ ما لم ترَ الغنى مَغْنَمَاً، والصدقةَ مَغْرَماً"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "يا أيُّهَا الناس؛ أَفْشُوا السلام، وأَطْعِمُوا الطعام، وصِلُواْ الأرحامَ، وصَلُّوا بالليلِ، والناسُ نِيامٌ، تدخلُوا الجنَّةَ بِسَلامٍ"، فأنت لا تجد في جميع ما ذكرتُ لفظاً اجتُلِب من أجل السجع، وتُرك له ما هو أحقُّ بالمعنى منه وأبرُّ به، وأهدَى إلى مَذْهبه، ولذلك أنكرَ الأعرابي حين شكا إلى عامل ألماً بقوله: حُلِّئَتْ رِكَابِي، وشُقِّقَتْ ثيابي، وضُرِبَتْ صِحابِي، فقال له العامل: أَوَتَسْجَعْ أيضاً إنكارَ العامل السجع حتى قال: فكيف أقول؟، وذاك أنّه لم يعلم أصلح لما أراد من هذه الألفاظ ولم يَرَهُ بالسجع مُخِلاًّ بمعنى، أو مُحْدِثاً في الكلام استكراهاً، أو خارجاً إلى تكلُّفٍ واستعمال لما ليس بمُعَتادٍ في غَرضه، وقال الجاحظ: لأنه لو قال: حُلِّئَتْ إبلي أو جمالي أو نوقي أو بُعْرَانِي أو صِرْمَتِي لكان لم يعبِّر عن حقّ معناه، وإنما حُلِّئَتْ ركابه، فكيف يدع الركابَ إلى غير الرَكّاب؟ وكذلك قولُه: وشُقِّقَتْ ثيابي، وضُرِبت صحَابِي، فقد تبين من هذه الجملة أن المعنى المقتضى اختصاصَ هذا النَّحو بالقَبُول: هو أنَّ المتكلم لم يَقُدِ المعنى نحوَ التجنيس والسَّجع، بل قادَه المعنى إليهما، وعَبر به الفرق عليهما، حتى إنه لو رَامَ تَركَهُما إلى خلافهما مما لا تجنيسَ فيه ولا سجعَ، لدخَل من عُقُوق المعنى وإدخال الوَحْشَة عليه، في شبيهٍ بما يُنسَب إليه المتكلف للتَّجنيس المستكْرَهِ، والسجع النَّافر، ولن تجد أيمنَ طائراً، وأحسنَ أوّلاً وآخراً، وأهدى إلى الإحسان، وأجلبَ للاستحسان، من أن تُرسل المعاني على سجيّتها، وتَدَعها تطلب لأنفسها الألفاظَ، فإنها إذا تُركت وما تريد لم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير