تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تكتسِ إلا ما يليق بها، ولم تَلْبَسْ من المعارض إلا ما يَزِينها، فأمّا أن تَضَع في نفسك أنه لا بُدَّ من أن تجنس أو تَسْجَعْ بلفظين مخصوصين، فهو الذي أنْتَ منه بِعَرَض الاستكراه، وعلى خَطَرٍ من الخطأ والوقوع في الذَّمّ، فإنْ ساعَدَك الجَدّ كما ساعد في قوله: أو دعاني أمُت بما أودعاني، وكما ساعد أبا تمام في نحو قوله: وَأنجدتمُ من بَعْدِ إتهام دَارِكُمْ فيا دَمعُ أَنْجِدْنِي عَلى سَاكِنِي نَجْدِ

وقوله: هُنَّ الحَمَامُ، فإنْ كَسَرتَ عِيافةً من حَائِهنٌ فإنهنَّ حِمَامُ

فذاك، وإلاّ أطلقت ألسنة العيب، وأفضى بك طلبُ الإحسانُ من حيث لم يَحْسُنِ الطلبِ، إلى أفحش الإساءة وأكبر الذنب، ووقعت فيمِا تَرَى من ينصرك، لا يرى أحسن من أن لا يَرْويه لك، ويَوَدُّ لو قَدَر على نَفْيه عنك، وذلك كما تجده لأبي تمام إذا أسلم نفسه للتكلف، ويرى أنه إن مرَّ على اسم موضع يحتاج إلى ذكره أو يتصل بقصة يذكرها في شعره، مِنْ دُونَ أن يشتقّ منه تجنيساً، أو يعمل فيه بديعاًَ، فقد باء بإثم، وأخلّ بفَرْضِ حَتْمٍ، من نحو قوله: سيف الإمامِ الذي سمّتْهُ هَبَّتُهُ لمّا تَخَرَّمَ أهلَ الكُفْرِ مُخْتَرِمَا

إنّ الخليفةَ لمَّا صَالَ كنتَ له خَلِيفةَ الموتِ فيمن جَارَ أَوْ ظَلَمَا

قَرَّت بقُرَّانَ عينُ الدين وَاشْتترَت بالأشتَرَينِ عُيونِ الشِّرْكِ فَاصطُلما

وكقول بعض المتأخرين: اِلبسْ جلابيبَ القنَا عةِ إنّها أوقَى رِداءْ

يُنْجيكَ من دَاءِ الحري ص معاً ومن أوقارِ داءْ

وكقول أبي الفتح البُستي: جَفُّوا فما في طينهم للذي يَعْصِرُه من بِلَّةِ بِلَّهْ

وقوله: أخٌ لي لفظُه دُرُّ وكلُّ فِعاله بِرُّ

تلقّانِي فحيّاني بوجهٍ بَشْرُهُ بِشْرُ

لم يساعدهما حُسن التوفيق كما ساعد في نحو قوله: وكُلُّ غِنًى يَتيهُ به غنيٌّ فمرتجَعٌ بموتٍ أو زوال

وهَبْ جَدِّي طَوَى لي الأرض طُرّاً أليسَ الموتُ يَزْوِي ما زَوَى لي

ونحوه: منزلتي يحفظُها منزلي وباحتي تُكرِمُ ديباجتي

واعلم أنّ النكتة التي ذكرتها في التجنيس، وجعلتُها العّلةَ في استيجابه الفضيلة وهي حُسْن الإفادة، مع أنّ الصورة صورةُ التكرير والإعادة وإن كانت لا تظهر الظهورَ التامَّ الذي لا يمكن دَفْعُه، إلا في المستوفَى المتفق الصورة منه كقوله: ما مات من كَرَم الزمانِ فإنه يَحْيَى لدَى يَحْيَى بن عبد اللّه

أو المرفُوِّ الجاري هذا المَجْرَى كقوله: "أودَعانِي أمتْ بما أوْدَعاني"، فقد يُتَصَوَّر في غير ذلك من أقسامه أيضاً، فمما يظهر ذاك فيه ما كان نحو قول أبي تمام: يَمُدُّون من أيدٍ عَواصٍ عَواصِمٍ تَصُولُ بأسْيافٍ قَوَاضٍ قَواضِبِ

وقول البحتري: لئن صَدَفتْ عنَّا فرُبَّتَ أنفُس صَوادٍ إلى تِلك الوجُوه الصَّوادف

وذلك أنك تَتَوهم قبل أن يردَ عليك آخرُ الكلمة كالميم من عواصم والباء من قواضب، أنها هي التي مَضَت، وقد أرادتْ أن تجيئَك ثانيةً، وتعودَ إليكَ مؤكِّدَةً، حتى إذا تمكن في نفسك تمامُها، ووعى سمعُك آخرَها، انصرفتَ عن ظنّك الأول، وزُلْتَ عن الذي سبق من التخيُّل، وفي ذلك ما ذكرتُ لك من طلوع الفائدة بعد أنْ يخالطك اليأس منها، وحصول الربح بعد أن تُغالَطَ فيه حتى ترى أنه رأس المال. فأما ما يقع التجانس فيه على العكس من هذا وذلك أن تختلف الكلمات من أوّلها كقول البحتري: بسيوفٍ إيماضُها أوجالُ للأعادي ووقعُها آجال

وكذا قول المتأخر: وكم سبقَتْ منه إلَيَّ عوارفٌ ثنائَي من تلك العَوارف وَارِف

وكم غُررٍ من بِرّه ولطائفٍ لَشُكْرِي على تلك اللَّطائِف طائفُ

وذلك أنّ زيادة عوَارِف على وارف بحرف اختلاف من مبدأ الكلمة في الجملة، فإنه لا يبعد كلَّ البعد عن اعتراض طرفٍ من هذا التخيُّل فيه، وإن كان لا يقوى تلك القوةَ، كأنك ترى أن اللفظة أعيدت عليك مُبْدَلاً من بعض حروفها غيرُه أو محذوفاً منها، ويبقى في تتبّع هذا الموضع كلامٌ حقُّه غير هذا الفصل وذلك حيث يوضع.

(البقية ستأتي إن شاء الله)

ـ[المكي]ــــــــ[17 - 01 - 2006, 07:18 م]ـ

(4)

قسمة التجنيس وتنويعه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير