تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولم تجد بينه وبين خلا من كبده وزالت عنه كبده كبيرَ فَرْقٍ، ألا تراك تقول: الفَرَسُ عَادِمٌ للطِّحَال تريد: ليس له طحال، وهذا كلام لا استعارة فيه، كما أنك لو قلت: الطحال معدوم في الفرس كان كذلك، ومن اللائق بهذا الباب البَيِّن أمرُه، ما أنشده أبو العباس في الكامل من قول الشاعر: لم تَلقَ قَوْمَاً همُُ شَرٌّ لإخْوَتِهِمْ مِنَّا عَشِيَّةَ يَجْرِي بالدَّمِ الوادي

تَقْريِهِمُ لَهْذَمِيَّاتٍ نَقُدُّ بها ما كَانَ خاط عَلَيْهِم كُلُّ زَرَّادِ

قال: لأن الخياطة، تضمُُّ خِرَقَ القميص والسَّرْدُ يضُمُّ حَلَقَ الدِرْع، أفلا تراهُ بَيَّنَ أن جنسهما واحدٌ، وأن كلاًّ منهما ضَمٌّ ووَصْلٌ وإنما يَقَعُ الفرقُ من حيث أن الخياطة ضَمُّ أطراف الخِرقَ بِخَيْطِ يُسْلَك فيها على الوجه المعلوم، و الزَّرْدُ ضّم حَلَق الدرع بمداخلةٍ توجد بينها، إلاّ أن الشِّكال الذي يُلزِم أحدَ طرفَي الحَلْقةِ الآخرَ بدخوله في ثُقبتيهما، في صورة الخيط الذي يذهب في منافذ الإبرة، واستقصاءُ القول في هذا الضرب، والبحث عن أسراره، لا يمكن إلا بعد أن تُقَرَّر الضروب المخالفةُ له من الاستعارة، فأقْتصر منه على القدرالمذكور، وأعود إلى القسمة، ضربٌ ثانٍ يُشبه هذا الضرب الذي مضى، وإن لم يكن إياه، وذلك أن يكون الشبهُ مأخوذاً من صِفةٍ هي موجودٌ في كل واحدٍ من المستعَار له والمُستعارِ منه على الحقيقة، وذلك قولُك: رأيت شمساً، تريد إنساناً يتهلَّل وجهه كالشمس، فهذا له شَبَهٌ باستعارة طارلغيرذي الجناح وذلك أن الشبه مُراعَى في التلألؤ، وهو كما تعلم موجودٌ في نفس الإنسان المتهلل، لأنّ رَوْنقَ الوجه الحسن من حيث حسنُ البصر، مجانسٌ لضوء الأجسام النيّرة، وكذلك إذا قلت: رأيت أسداً تريد رجلاً، فالوصف الجامعُ بينهما هو الشجاعة، وهي على حقيقتها موجودة في الإنسان، وإنما يقع الفرقُ بينه وبين السَّبع الذي استعرتَ اسمه له فيها، من جهةً القُوَّة والضعفِ والزيادة والنقصان، وربما ادُّعي لبعض الكُماةِ والبُهَم مساواةُ الأسد في حقيقة الشجاعة التي عمود صورتها انتفاءُ المخافة عن القلب حتى لا تخامرَه، وتُفرِّقَ خواطرَه وتُحَلِّلَ عزيمته في الإقدام على الذي يباطشه ويريد قَهْرَه، وربما كفّ الشُّجاع عن الإقدام على العدوّ لا لخوف يملك قلبه ويَسْلُبه قواه، ولكن كما يكُفُّ المنهيُّ عن الفعل، لا تخونه في تعاطيه قوّةٌ، وذلك أن العاقل من حيث الشرع منهيٌّ عن أن يُهلك نفسه، أتَرَى أنّ البطلَ الكميَّ إذا عَدِمَ سلاحاً يقاتل به، فلم ينهَض إلى العدوّ، كان فاقداً شجاعته وبأسَه، ومتبرّئاً من النَّجْدةِ التي يُعْرَفُ بها، ثم إن الفرق بين هذا الضرب وبين الأول أن الاشتراك ها هنا في صفة توجد في جنسين مختلفين، مثلُ أنّ جنس الإنسان غير جنس الشمس، وكذلك جنسهُ غيرُ جنس الأسد، وليس كذلك الطيران و جريُ الفرس، فإنهما جنس واحد بلا شبهة، وكلاهما مُرورٌ وقطعٌ للمسافة، وإنما يقع الاختلاف بالسرعة، وحقيقة السرعة قلّة تخلُّلِ السكون للحركات، وذلك لا يوجب اختلافاً في الجنس،

فإن قلت: فإذَنْ لا فرق بين استعارة طَار للفرس وبين استعارة الشَفَة للفرس، فهّلا عددتَ هذا في القسم اللَّفْظِيّ غير المفيد؟ ثم إنك إن اعتذرت بأنّ في طار خصوصَ وصفٍ ليس في عَدَا و جَرَى، فكذلك في الشفة خصوصُ وصفٍ ليس في الجحفلة، فالجواب إنِّي لم أعُدَّه في ذلك القسم، لأجل أنّ خصوص الوصف الكائن في طَارَ مُرَاعًى في استعارته للفرس، ألا ترَاك لا تقوله في كل حال، بل في حالٍ مخصوصة وكذا السباحة، لأنك لا تستعيرها للفرس في كل أحوال حَرْبه، نعم، وتأبى أن تعطيَها كُلّ فرس، فالقَطُوف البليدُ لا يوصف بأنه سابح، وأما استعارة اسمٍ لعضو نحو الشفة والأنف فلم يُراعَ فيه خصوص الوصف، ألا ترى أن العجّاج لم يرد بقوله "ومَرْسِنَاً مُسرَّجَاً"، أن يشبّه أنف المرأة بأنف نوع من الحيوان، لأن هذا العضو من غير الإنسان لا يوصف بالحسن، كما يكون ذلك في العين والجيد، وهكذا استعارة الفِرْسِن للشاة في قول عائشة رضي اللّه عنها: ولَوْ فِرْسِنَ شاةٍ، وهو للبعير في الأصل ليس لأن يشبَّه هذا العضو من الشاة به من البعير، كيف ولا شَبَه هناك، وليس إذَنْ في مجيءُ الفِرْسِن بَدَل الظِلْف أمرٌ أكثر من العضو نفسه، ضرب ثالثٌ، وهو

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير