تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[المكي]ــــــــ[24 - 01 - 2006, 07:34 م]ـ

وتدَّعِيَ أنه لا يحصل منه على طائل، ثم تمثّله في ذلك بالقابض على الماء والرَّاقم فيه، فالذي مثّلتَ ليس بمنكرٍ مستبعَدٍ، إذ لا يُنكَر خطأ الإنسان في فعله أو ظنّه وأمله وطَلَبه، ألا ترى أن المَغْزَى من قوله: فأصبحتُ من لَيْلَى الغداةَ كقابضٍ على الماءِ خَانَتْهُ فُروجُ الأصابِعِ

أنَّه قد خاب في ظنّه أن يتمتّع بها ويَسْعَد بوصلها، وليس بمنكر ولا عجيب ولا ممتنع في الوجود، خارج من المعروف المعهود، أن يخيب ظنُّ الإنسان في أشباه هذا من الأمور، حتى يُستشهَدَ على إمكانه، وتُقام البيّنة على صدق المدَّعِي لوِجْدَانه، وإذا ثبت أن المعاني الممثَّلة تكون على هذين الضربين، فإن فائدة التمثيل وسببَ الأُنس في الضرب الأول بَيّنٌ لائح، لأنه يُفيد فيه الصِّحة وينفي الرَّيْب والشكَّ، ويُؤْمِن صاحبه من تكذيب المخالِف، وتهجُّم المنكرِ، وتَهَكُّم المعترض، وموازنتُه بحالة كَشْفِ الحجاب عن الموصوف المُخبَرِ عنه حتى يُرَى ويُبصرَ، ويُعلَم كونهُ على ما أثبتته الصِّفة عليه موازنةٌ ظاهرة صحيحة، وأمّا الضرب الثاني فإن التمثيل وإن كان لا يفيد فيه هذا الضرب من الفائدة، فهو يفيد أمراً آخَرَ يجري مجراه، وذلك أن الوصفَ كما يحتاج إلى إقامة الحجة على صحة وجوده في نفسه، وزيادةِ التثبيتِ والتقرير في ذاته وأصله، فقد يحتاج إلى بيانِ المقدار فيه، ووضعِ قياس من غيره يكشِف عن حَدّه ومبلغِه في القوة والضعفِ والزيادةِ والنقصانِ، وإذا أردت أن تعرفَ ذلك، فانظر أوّلاً إلى التشبيه الصريح الذي ليس بتمثيل، كقياس الشيء على الشيء في اللون مثلاً: كحنَك الغراب، تريد أن تُعرِّف مقدار الشدة، لا أن تُعرِّف نفس السواد على الإطلاق، وإذا تقرر هذا الأصل، فإن الأوصاف التي يُرَدُّ السامع فيها بالتمثيل من العقل إلى العيان والحسّ

ـ[المكي]ــــــــ[24 - 01 - 2006, 07:35 م]ـ

وهي في أنفسها معروفةٌ مشهورة صحيحة لا تحتاج إلى الدلالة على أنها هل هي ممكنة موجودةٌ أم لا فإنّها وإن غَنِيَتْ من هذه الجهة عن التمثيل بالمشاهدات والمحسوسات، فإنها تفتقر إليه من جهة المقدارِ، لأن مقاديرَها في العقل تختلف وتتفاوت،

ـ[المكي]ــــــــ[24 - 01 - 2006, 07:36 م]ـ

فقد يقال في الفعل: إنه من حال الفائدة عل حدودٍ مختلفة في المبالغة والتوسط، فإذا رجعتَ إلى ما تُبصِرُ وتُحسّ عرفتَ ذلك بحقيقته، وكما يوزن بالقسطاس، فالشاعر لمّا قال: "كقابض على الماء خانته فروج الأصابع"؛ أراك رؤيةً لا تشكُّ معها ولا ترتاب أنه بلغ في خَيبة ظنّه وَبَوار سَعْيه إلى أقصى المبالغ، وانتهى فيه إلى أبعد الغايات، حتى لم يَحْظَ لا بما قلَّ ولا ما كثر، فهذا هو الجواب، ونحن بنوع من التسهُّل والتسامح، نقع على أن الأُنس الحاصل بانتقالك في الشىء عن الصفة والخبر إلى العيان ورؤية البصر، ليس له سببٌ سوى زَوَال الشكّ والرَّيْب،

ـ[المكي]ــــــــ[24 - 01 - 2006, 07:37 م]ـ

فأما إذا رجعنا إلى التحقيق فإنَّا نعلم أن المشاهدة تُؤثِّر في النفوس مع العلم بصدق الخبر، كما أخبر اللّه تعالى عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام في قوله: "قَالَ بَلَى ولَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي" "سورة البقرة: 62"، والشواهد في ذلك كثيرة، والأمر فيه ظاهرٌ، ولولا أن الأمر كذلك، لما كان لنحو قول أبي تمام:

وطُولُ مُقَامِ الَمَرْءِ في الحيِّ مُخْلِقٌ لِدِيبَاجتَيْهِ فاغْتَرِبْ تتجدَّدِ

فإنِّي رَأَيتُ الشَّمْسَ زِيدَتْ محبّةً إلى النّاس أنْ لَيْسَتْ عليهم بسَرْمَدِ

ـ[المكي]ــــــــ[24 - 01 - 2006, 07:37 م]ـ

معنى، وذلك أنَّ هذا التجدُّد لا معنى له، إذا كانت الرؤية لا تفيد أُنْساً من حيث هي رؤية، وكان الأنس لنَفْيها الشَّكَّ والرَّيب، أو لوقوع العلم بأمر زائدٍ لم يُعْلَمْ من قبل، وإذا كان الأمر كذلك، فأنت إذا قلت للرجل أنت مُضيعٌ للحَزْم في سعيك، ومخطئٌ وجهَ الرشاد، وطالبٌ لما لا تناله، إذا كان الطَّلب على هذه الصفة ومن هذه الجهة، ثم عقّبْتَهُ بقولك وهل يحصل في كفِّ القابض على الماء شيء مما يقبض عليه؟

ـ[المكي]ــــــــ[24 - 01 - 2006, 07:38 م]ـ

فلو تركنا حديث تعريف المقدارِ في الشدة والمبالغة ونَفْي الفائدة من أصلها جانباً بقي لنا ما تَقْتَضيه الرُّؤية للموصوف على ما وُصف عليه من الحالة المتجدِّدة، مع العلم بصدق الصفة يُبيّن ذلك، أنه لو كان الرجل مثلاً على طرفِ نَهَرٍ في وقتِ مخاطبةِ صاحبهِ وإخباره له بأنه لا يحصل من سعيه على شيء، فأدْخل يده في الماء وقال: انظر هل حَصَل في كفيّ من الماء شيء؟ فكذلك أنت في أمرك، كان لذلك ضرب من التأثير زائد على القول والنطق بذلك دون الفعل، ولو أن رجلاً أراد أن يضرب لك مثلاً في تنافي الشيئين فقال: هذا وذاك هَلْ يجتمعان؟،

ـ[المكي]ــــــــ[24 - 01 - 2006, 07:39 م]ـ

وأشار إلى ماء ونارٍ حاضرَين، وجدتَ لتمثيله من التأثير ما لا تجده إذا أخبرك بالقول فقال: هل يجتمع الماءُ والنار؟، وذلك الذي تفعل المشاهدةُ من التحريك للنفس، والذي يجب بها من تمكُّن المعنى في القلب إذا كان مستفادهُ من العيان، ومتصرَّفهُ حيث تتصرَّف العينان وإلاّ فلا حاجة بنا في معرفة أن الماء والنار لا يجتمعان إلى ما يؤكده من رجوع إلى مشاهدة واستيثاق تَجْربة، وممّا يدلُّك على أن التمثيل بالمشاهدة يزيدك أُنْساً، وإن لم يكن بك حاجةٌ إلى تصحيح المعنى، أو بيان لمقدار المبالغة فيه، أنك قد تعبّر عن المعنى بالعبارة التي تؤدِّيه، وتبالغ وتجتهد حتى لا تدع في النفوس مَنْزَعاً، نحو أن تقولَ وأنت تصفُ اليوم بالطول: يومٌ كأطْول ما يُتوهَّم و كأنّه لا آخرَ له، وما شاكل ذلك من نحو قوله: في لَيْلِ صُولٍ تَنَاهَى العَرْضُ والطُّولُ كأنَّمَا ليلُهُ باللَّيْل مَوْصُولُ

فلا تجد له من الأُنس ما تجده لقوله: ويَومٍ كَظِلِّ الرُّمْح قَصَّر طُولَهُ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير