تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 12:35 ص]ـ

وهل تشكُّ في أنه يعمل عمل السحر في تأليف المتباينين حتى يختصر لك بُعْدَ ما بين المشرق والمغرب، ويجمع ما بين المُشئِمِ والمُعْرِق، وهو يُرِيكَ للمعاني الممثَّلة بالأوهام شَبَهاً في الأشخاص الماثلة، والأشباح القائمة، ويُنطق لك الأخرس، ويُعطيك البيان من الأعجم، ويُريك الحياةَ في الجماد، ويريك التئامَ عين الأضداد، فيأتيك بالحياة والموت مجموعين، والماءِ والنارِ مجتمعين، كما يقال في الممدوحِ هو حياة لأوليائه، موت لأعدائه، ويجعل الشيء من جهةٍ ماءً، ومن أخرى ناراً، كما يقال: أنا نارٌ في مُرْتَقَى نَظَرِ الحا سِدِ، ماءٌ جارٍ مع الإخوان

ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 12:36 ص]ـ

وكما يجعل الشيء حُلواً مُرّاً، وصاباً عسلاً وقبيحاً حسَنَاً، كما قال: حَسَنٌ في وجوه أعدائه أَقْ بحُ من ضَيْفه رأتْه السوامُ

ويجعل الشيء أسود أبيضَ في حال، كنحو قوله: له منظَرٌ في العين أبيضُ ناصعٌ ولكنّه في القلب أسودُ أسفعُ

ويجعل الشيء كالمقلوب إلى حقيقة ضدّه، كما قال: غُرَّةٌ بُهْمَةٌ ألا إنما كُنْ تُ أغَرَّ أيَّام كنتُ بَهِيمَا

ويجعل الشيء قريباً بعيداً معاً، كقوله: "دانٍ على أيدي العُفاةِ وشَاسِعٌ" وحاضراً وغائباً، كما قال: أيا غائباً حاضراً في الفؤادِ سَلامٌ على الحَاضرِ الغائبِ

ومشرّقاً مغرّباً، كقوله: لَهُ إليكم نفسٌ مُشرِّقةٌ أن غابَ عنكم مُغَرِّباً بَدَنُهْ

وسائراً مقيماً، كما يجيء في وصف الشعر الحسن الذي يتداوله الرواة وتتهاداه الألسن، كما قال القاضي أبو الحسن: وجوّابةِ الأُفْقِ موقوفةٍ تسيرُ ولَمْ تَبرحِ الحَضْرَةْ

ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 12:37 ص]ـ

وهل يخفى تقريبه المتباعدين، وتوقيفه بين المختلفين، وأنت تجد إصابة الرجل في الحجّة، وحُسن تخليصه للكلام، وقد مُثِّلت تارةً بالهناء ومعالجة الإبل الجَرْبَى به، وأُخرَى بحزِّ القصّاب اللحم وإعماله السكّين في تقطيعه وتفريقه في قولهم "يَضَع الهِنَاء مَوَاضِع النُقْبِ ويصيب الحزَّ وويطبِّق المَفْصِل"، فانظر هل ترى مزيداً في التناكر والتنافر على ما بين طِلاَء القطران، وجنس القول والبيان ثم كرِّرِ النظر وتأمَّلْ كيف حصل الائتلاف، وكيف جاء من جمع أحدهما إلى الآخر، ما يأْنَس إليه العقل ويحمَده الطبع؟ حتى إنّك لربما وجدتَ لهذا المَثَل إذا وردَ عليك في أثناء الفصول، وحين تبيّن الفاضل في البيان من المفضول قبولاً، ولا ما تجدُ عند فَوْحِ المسك ونشْرِ الغَالية، وقد وقع ذكرُ الحزّ والتطبيق منك موقعَ ما ينفى الحزازات عن القلب، ويُزيل أطباقَ الوحشة عن النفس، وتكلُّفُ القول في أن للتمثيل في هذا المعنى الذي لا يُجارَى إليه، والباعَ الذي لا يُطاوَل فيه، كالاحتجاج للضَّرورات، وكفى دليلاً على تصرُفه فيه باليد الصَّنَاع، وإيفائه على غايات الابتداع، أنه يُريك العدمَ وجوداً والوجودَ عدماً، والميّت حيّاً والحيَّ ميّتاً أعني جَعْلَهم الرجلَ إذا بقي له ذكر جميلٌ وثناءٌ حَسَنٌ بعد موته، كأنه لم يمت، وجَعَلَ الذكرِ حياةٌ له، كما قال: "ذِكْرُ الفتَى عُمْرُه الثَّانِي"؛ وحُكْمَهُمْ على الخامِل الساقطِ القدرِ الجاهل الدنيء بالموتِ، وتصييرَهُمْ إياه حين لم يكن ما يؤثَر عنه ويُعْرَف به، كأنه خارجٌ عن الوجود إلى العدم، أو كأنه لم يدخل في الوجود، ولطيفةٌ أخرى له في هذا المعنى، هي، إذا نظرتَ، أعجبُ، والتعجُّب بها أحقُّ ومنها أوجب، وذلك جعلُ الموت نفسِه حياةً مستأنفة حتى يقال: إنه بالموت استكمل الحياة في قولهم فلان عاش حين مات، يُراد الرجل تحمله الأبيّةُ وكرم النفس والأنَفَة من العار، على أن يسخو بنفسه في الجود والبأس، فيفعل ما فعل كعب بن مامة في الإيثار على نفسه، أو ما يفعله الشجاع المذكور من القتال دون حَرِيمه، والصبر في مواطن الإباء، والتصميم في قتال الأعداء، حتى يكون له يومٌ لا يزال يُذكَر، وحديثٌ يعاد على مَرِّ الدهور ويُشْهَر، كما قال ابن نباتة: بأَبِي وأمّي كُلُّ ذِي نَفْسٍ تَعافُ الضَّيْمَ مُرَّةْ

تَرْضَى بأن تَرِد الرَّدَى فَيُمِيتها ويُعيش ذِكْرَهْ

ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 12:38 ص]ـ

وإنه لَيأتيك من الشيء الواحد بأشباهِ عِدة، ويشتقّ من الأصل الواحد أغصاناً في كل غصن ثَمَرٌ على حِدَة، نحو أن الزَّند بإيرائه يُعطيك شَبَه الجواد، والذكيِّ الفَطِنِ، وشَبَه النُجح في الأمور والظفر بالمراد وبإصلادِه شَبَه البخيل لا يعطيك شيئاً، والبليد الذي لا يكون له خاطر يُنتج فائدةً ويُخرج معنًى وشَبَه من يخيب سَعْيُه، ونحو ذلك ويعطيك من القمر الشهرة في الرجل والنباهة والعِزَّ والرفعة، ويعطيك الكمال عن النقصان، والنقصان بعد الكمال، كقولهم هلا نَمَا فعاد بدراً، يراد بلوغ النَجْل الكريم المبلغَ الذي يُشبِه أصلَه من الفضل والعقل وسائر معاني الشرفِ، كما قال أبو تمام: لَهَفِي على تلك الشواهد مِنْهُما لو أُمْهلَتْ حتى تَصِيرَ شمائلاَ

لَغدا سكونهما حجًى وصِباهما كَرَماً وتلك الأريحيّة نائلاَ

إنّ الهلالَ إذا رأيتَ نُمُوَّهُ أَيقنتَ أن سيصيرُ بدراً كاملاَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير