تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 12:38 ص]ـ

وعلى هذا المثل بعينه، يُضرَب مثلاً في ارتفاع الرجل في الشرف والعزّ من طبقة إلى أعلى منها، كما قال البحتري: شَرَفٌ تزيَّدَ بالعراق إلى الذي عهِدُوه بالبَيْضاء أو بِبَلَنْجَرَا

مِثْلَ الهلال بدَا فلم يَبْرَحْ به صَوْغُ اللَّيالي فيه حتى أقمَرا

ويعطيك شَبَه الإنسان في نَشْئِه ونَمائه إلى أن يبلغ حدَّ التمام، ثم تراجُعِه إذا انقضت مُدَّة الشباب، كما قال: المرءُ مِثْلُ هلالٍ حين تُبصرهُ يبدو ضئيلاً ضعيفاً ثم يَتَّسِقُ

يَزدادُ حتّى إذا ما تَمَّ أعْقَبه كَرُّ الجديدين نقصاً ثم يَنْمَحِقُ

ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 12:39 ص]ـ

وكذلك يتفرَّع من حالتي تمامه ونُقصانه فروعٌ لطيفة، فمن غريب ذلك قولُ ابن بابك: وأعَرْتَ شَطْرَ المُلك ثَوْبَ كماله والبدرُ في شَطْر المَسافَةِ يكمُلُ

قاله في الأستاذ أبي علي، وقد استوزره فخرُ الدولة بعد وفاة الصاحب وأبا العباس الضبيّ وخلع عليهما وقولُ أبي بكر الخوارزمي: أراك إذا أيسرتَ خَيَّمتَ عندنا مقيماً وإن أعسرتَ زُرتَ لِمَامَا

فما أنت إلا البدرُ إن قَلَّ ضَوءهُ أَغَبَّ وإن زَادَ الضياءُ أقَامَا

المعنى لطيف، وإن كانت العبارة لم تساعده على الوجه الذي يجب، فإن الإغباب أن يتخلل وقتَي الحضور وقتٌ يخلو منه، وإنما يصلح لأن يراد أن القمر إذا نقص نورُه، لم يُوال الطلوع كل ليلة، بل يظهر في بعض الليالي، ويمتنع من الظهور في بعض، وليس الأمر كذلك، لأنه على نقصانه يطلع كل ليلة حتى يكون السِّرارُ، وقال ابن بابك في نحوه: كذا البدرُ يُسْفِرُ في تِمِّه فإن خاف نَقْص المَحَاقِ انْتَقَبْ

ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 12:40 ص]ـ

وهكذا يُنظر إلى مقابلته الشَّمسَ واستمداده من نورها، وإلى كون ذلك سببَ زيادته ونقصه وامتلائه من النور والائتلاق، وحصولهِ في المُِحَاق، وتفاوُتِ حاله في ذلك، فتُصاغ منه أمثَالٌ، وتُبَيَّن أشباهٌ ومقاييس، فمن لطيف ذلك قول ابن نباتة: قد سَمِعْنا بالعِزِّ من آلِ ساسا نَ ويُونانَ في العُصور الخوالِي

والملوكِ الأُلَى إذا ضاع ذِكْرٌ وُجِدُوا في سوائر الأمثالِ

مَكْرُماتٌ إذا البليغُ تعاطَى وَصْفَها لم يجدْهُ في الأقوال

وإذا نحن لم نُضِفْه إلى مد حِكَ كانت نهايةً في الكمال

إن جمعنَاهُمَا أضرَّ بها الجم عُ وضاعت فيه ضَياعَ المُحال

فهو كالشمس بُعْدُها يملأ البَدْ ر وفي قُرْبها ُمحاقُ الهلالِ

ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 12:40 ص]ـ

وغير ذلك من أحواله كنحو ما خرج من الشَّبَه من بُعده وارتفاعه، وقُرب ضَوئِه وشُعاعه، في نحو ما مضى من قول البحتري: "دانٍ على أيدي العفاة" البيتين. ومن ظهوره بكل مكان، ورؤيته في كل موضع، كقوله: كالبدرِ من حيثُ التَفَتَّ رَأَيتَه يُهدَي إلى عينيك نوراً ثاقبَا

في أمثال لذلك تكثر، ولم أعرِضْ لما يُشبَّه به من حيث المنظر، وما تُدركه العين، نحو تشبيهِ الشيء بتقويس الهلالِ ودقّته، والوجه بنوره وَبَهْجته، فإنّا في ذكر ما كان تمثيلاً، وكان الشَّبه فيه معنويّاً.

ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 12:41 ص]ـ

فصلٌ آخر

وإن كان مِمَّا مَضَى، إلا أن الأسلوب غيره، وهو أن المعنى إذا أتاك ممثَّلاً، في الأكثر ينجلي لك بعد أن يُحْوِجك إلى غير طلبه بالفكرة وتحريك الخاطرِ له والهِمَّة في طلبه، وما كان منه ألطف، كانت امتناعه عليك أكثر، وإباؤه أظهر، واحتجابُه أشدُّ، ومن المركوز في الطبع أن الشيء إذا نيل بعد الطلب له أو الاشتياق إليه، ومعاناة الحنين نحوه، كان نَيله أحلَى، وبالمزِيَّة أولى، فكان موقعه من النفس أجلّ وألطف، وكانت به أضَنَّ وأَشْغَف، ولذلك ضُرب المثل لكل ما لَطُف موقعه ببرد الماء على الظمأ، كما قال: وهُنَّ يَنْبِذْنَ من قَوْلٍ يُصِبْنَ بِهِمَوَاقِعَ الماءِ مِنْ ذِي الغُلَّةِ الصَّادِي

ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 12:42 ص]ـ

وأشباه ذلك مما يُنال بعد مكابدة الحاجة إليه، وتقدُّم المطالبة من النفس به، فإن قلت فيجب على هذا أن يكون التعقيد والتعمية وتعمُّد ما يَكْسِب المعنى غمُوضاً، مشرِّفاً له وزائداً في فضله، وهذا خلافُ ما عليه الناس، ألا تراهم قالوا إن خَيْر الكلام ما كان معناه إلى قلبك أسبق من لفظه إلى سمعك، فالجواب إني لم أُرد هذا الحدَّ من الفِكْرِ والتعب، وإنما أردت القدر الذي يحتاج إليه في نحو قوله: فإن المِسْكَ بعضُ دمِ الغَزَالِ

ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 12:44 ص]ـ

وأشباه ذلك مما يُنال بعد مكابدة الحاجة إليه، وتقدُّم المطالبة من النفس به، فإن قلت فيجب على هذا أن يكون التعقيد والتعمية وتعمُّد ما يَكْسِب المعنى غمُوضاً، مشرِّفاً له وزائداً في فضله، وهذا خلافُ ما عليه الناس، ألا تراهم قالوا إن خَيْر الكلام ما كان معناه إلى قلبك أسبق من لفظه إلى سمعك، فالجواب إني لم أُرد هذا الحدَّ من الفِكْرِ والتعب، وإنما أردت القدر الذي يحتاج إليه في نحو قوله: فإن المِسْكَ بعضُ دمِ الغَزَالِ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير