ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 01:32 م]ـ
فإن دخل في التفصيل شيئاً نحو أن هذا السوادَ صَافٍ برَّاقٌ، والحمرةَ رقيقةٌ ناصعةٌ احتجتَ بقدر ذلك إلى إدارة الفكر، وذلك مثل تشبيه حمرة الخدِّ بحمرة التُفّاح والوَرْد،
ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 01:32 م]ـ
فإن زاد تفصيلُه بخصوصٍ تَدِقُّ العبارة عنه، ويُتعرَّف بفضل تأمُّل، ازداد الأمر قوّةً في اقتضاء الفكر، وذلك نَحْو تشبيه سِقْط النار بعين الديك في قوله: وسِقْطٍ كَعَيْن الدِّيكِ عَاوَرْتُ صُحْبَتِي
وذلك أنّ ما في لون عينه من تفصيل وخصوصٍ، يزيد على كون الحمرةِ رقيقةً ناصعةً والسوادِ صافيّاً برَّاقاً،
ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 01:33 م]ـ
وعلى هذا تجد هذا الحدَّ من المرتبة التي لا يستوي فيها البليد والذكيُّ، والمهمِل نفسَه والمتيقّظ المستعدّ للفكر والتصوّر، فقوله: كأنَّ عَلَى أنْيابِهَا كُلَّ سُحْرَةٍ صِياح البَوازِي من صَرِيفِ اللَّوائكِ
أرفعُ طبقةً من قوله: كأن صَلِيلَ المَرْوِ حين تُشِذُّه صَلِيلُ زُيوفٍ يُنْتَقَدْنَ بَعَبْقَرا
ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 01:33 م]ـ
لأن التفصيلَ والخصوص في صوت البازي، أَبْينُ وأظهر منه في صَلِيل الزيوف، وكما أن قولَه يصفُ الفَرس: وللفؤاد وَجِيبٌ تَحْتَ أَبْهَرهِ لَدْمَ الغُلامِ ورَاء الغَيبِ بِالحَجَرِ
لا يُسوَّى بتشبيهِ وقْع الحوافر بهَزْمة الرعد، وتشبيه الصَّوت الذي يكون لغليان القِدْر بنحو ذلك، كقوله: لها لَغْطٌ جُنْحَ الظَّلامِ كأنّه عَجَارِفُ غَيْثٍ رَائِحٍ مُتَهزِّمِ
ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 01:34 م]ـ
فصل
اعلم أن مما يزدادُ به التشبيهُ دقّةً وسِحْرَاً، أن يجيء في الهيئات التي تقع على الحركات، والهيئةُ المقصودة في التَّشبيه على وجهين أحدهما أن تقترن بغيرها من الأوصاف كالشكل واللون ونحوهما، والثاني أن تُجرَّدَ هيئةُ الحركة حتى لا يُراد غيرها،
ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 01:35 م]ـ
فمن الأوّل قوله: والشمسُ كالمرآةِ في كفِّ الأشل
أراد أن يُريك مع الشَّكل الذي هو الاستدارة، ومع الإشراق والتلألؤ على الجملة، الحركةَ التي تراها للشمس إذا أنعمتَ التأمُّل، ثم ما يحصُل في نُورها من أجل تلك الحركة، وذلك أن للشمس حركةً متصلةً دائمةً في غاية السرعة، ولنُورها بسبب تلك الحركة تموُّجٌ واضطرابٌْ عَجَبٌ، ولا يتحصل هذا الشبهُ إلا بأن تكون المرآة في يد الأشَلِّ، لأن حركتها تدور وتتصل ويكون فيها سرعة وقلقٌ شديد، حتى ترى المرآة، ويقع الاضطراب الذي كأنه يَسْحَرُ الطَّرْف،
ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 01:37 م]ـ
في التشبيه المتعدِّد والفرق بينه وبينوهو على الحقيقة لا يستحق صفة التركيب، ولا يشارك الذي مَضَى ذكرُه في الوصف الذي له كان تشبيهاً مركّباً، وذلك أن يكون الكلام معقوداً على تشبيه شيئين بشيئين ضربةً واحدةً، إلاّ أن أحدهما لا يداخل الآخر في الشَّبه، ومثاله في قول امرئ القيس: كأنَّ قُلُوبَ الطَّير رَطْباً ويابساً لَدَى وَكْرِهَا العُنّابُ والحشَفُ البَالي
المركّب
ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 01:38 م]ـ
وذلك أنه لم يقصِد إلى أن يجعل بين الشيئين اتصالاً، وإنما أراد اجتماعاً في مكانٍ فقط، كيف ولا يكون لمضامَّة الرَّطْب من القلوب اليابسَ هيئةٌ يُقصَد ذِكْرُها، أو يُعنَى بأمرها،
ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 01:39 م]ـ
كما يكون ذلك لتباشيرِ الصُّبح في أثناء الظلماء، وكون الشَّقِيقة على قَامتها الخضراء، فيودِّيَ ذلك الشبهَ الحاصلَ من مُداخلة أحد المذكورين الآخرَ واتّصاله به، اجتماعُ الحشَف البالي والعُنّاب، كيف ولا فائدة لأن ترى العُنّاب مع الحشَف، أكثر من كونهما في مكان واحد، ولو أن اليابسة من القُلوب كانت مجموعةً ناحيةً، والرطبة كذلك في ناحية أخرى، لكان التشبيه بحاله، وكذلك لو فرَّقت التشبيه فقلت: كأنّ الرَّطب من القلوب عُنّابٌ، وكأنّ اليابس حَشَفٌ بالٍ، لم تر أحدَ التشبيهين موقوفاً في الفائدة على الآخر، وليس كذلك الحكم في المرَكَّبات التي تقدَّمتْ، وقد يكون في التشبيه المركَّب ما إذا فضضتَ تركيبَهُ وجدت أحد طرفيه يخرُج عن أن يصلح تشبيهاً لِما كان جاء في مقابتله مع التركيب بيانُ ذلك أن الجِلال في قوله "كَطِرْفٍ أشهبٍ مُلْقَى الجِلال". في مقابلة الليل، وأنت لو قلت كأن الليل جِلال وسَكَتَّ لم يكن شيئاً، وقد يكون الشيء منه إذا فُضَّ تركيبه استوى التشبيه في طَرَفيه، إلا أن الحال تتغير، ومثال ذلك قوله: وكأن أجرامَ النُّجومِ لوامعاً دُرَرٌ نُثِرْنَ على بِسَاطٍ أزرقِ
ـ[د. خالد الشبل]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 05:33 م]ـ
الأستاذ المكي:
أشكرك على جهدك، وأحب أن أنبهك إلى أنّ كتاب (أسرار البلاغة) للإمام عبد القاهر الجرجاني موجود ضمن منتدى الكتاب، هنا في الفصيح
(أسرار البلاغة) ( http://www.alfaseeh.net/vb/showthread.php?t=4988)
فإنْ أردتَ شرح الكتاب أو جزء منه فحيهلاً، وإلا فإنّ تحميل الكتاب أرغبُ للأعضاء من نثره هنا، ونثرُه يرهق الموقع بكثرة الصفحات التي يمكن الاستغناء عنها.
ننتظر رأيك أيها الأستاذ الفاضل.