ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 01:21 م]ـ
وكذلك إذا نظرتَ إلى الوشي منشوراً وتطلّبتَ لحسنه ونَقْشه واختلاف الأصباغ فيه شبهاً، حَضَرَك ذكرُ الرَّوض ممطوراً مُفْترّاً عن أزهاره، متبسّماً عن أنواره، وكذلك إذا نظرت إلى السيف الصَّقيل عند سَلّه وبريق مَتْنِهِ، لم يتباعد عنك أن تذكر انعقاق البرق، وإن كان هذا أقلَّ ظهوراً من الأوّل، وعلى هذا القياس،
ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 01:22 م]ـ
ولكنَّك تعلمُ أن خاطرَك لا يُسْرعُ إلى تشبيه الشَّمس بالمرآة في كفّ الأشلّ، كقوله "والشَّمس كالمرآة في كفّ الأشلْ"؛ هذا الإسراعَ ولا قريباً منه، ولا إلى تشبيه البرق بإصْبع السّارق، كقول كشاجِم: أَرِقْتَ أم نِمْت لضَوءِ بارقِ مُؤْتِلقَاً مِثلَ الفُؤَادِ الخَافقِ
كَأنَّه إصْبعُ كف السَّارقِ
ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 01:23 م]ـ
وكقول ابن بابك: ونَضْنَضَ في حِضْنَي سَمَائِكَ بارقٌ له جِذْوةٌ من زِبْرج اللاَّذِ لامِعَهْ
تَعوَّجُ في أعلى السحابِ كأنَّها بَنَانُ يدٍ من كِلَّة اللاَّذِ ضَارِعَهْ
ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 01:23 م]ـ
ولا إلى تشبيه البرق في انبساطه وانقباضه والتماعه وائتلافه، بانفتاح المُصْحف وانطباقه، فيما مضى من قول ابن المعتز: وكأنَّ البرقَ مُصحَف قارٍ فانطباقاً مرَّةً وانفتاحَا
ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 01:24 م]ـ
ولا إلى تشبيه سطور الكتاب بأغصان الشوك في قوله: بشَكْلٍ يأخُذُ الحَرْفَ المحَلَّى كأن سُطورَهُ أغصانُ شَوكِ
ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 01:24 م]ـ
ولا إلى تشبيه الشَّقيق بأعلام يَاقوت على رِماح زَبَرجِد، كقول الصَّنَوبريّ: وكأنّ مُحمرَّ الشقي قِ إذا تصوَّب أو تصعَّدْ
أعلامُ ياقوتٍ نُشِرْ نَ على رماحٍ من زَبَرْجَدْ
ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 01:25 م]ـ
ولا إلى تشبيه النجوم طالعات في السماء مفترقات مؤتلفات في أديمها، وقد مازجت زُرقةُ لونها بياضَ نورها، بدُرٍّ منثورٍ على بساطٍ أزرق، كقول أبي طالب الرَّقّي: وكأنّ أجرامَ النُّجومِ لَوامعَاً دُرَرٌ نُثِرْنَ على بِساطٍ أزرقِ
ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 01:26 م]ـ
ولا ما جرى في هذا السبيل، وكان من هذا القبيل، بل تعلم أن الذي سبَقَك إلى أشباهِ هذه التشبيهات لم يَسْبِق إلى مَدًى قريب، بل أحرز غايةً لا ينالها غير الجواد، وقَرْطَسَ في هدفِ لا يُصابُ إلاّ بعد الاحتفال والاجتهاد.
ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 01:26 م]ـ
واعلم أنك إنْ أردت أن تبحث بحثاً ثانياً حتى تعلم لم وَجَبَ أن يكون بعضُ الشَّبه على الذكر أبداً، وبعضه كالغائب عنه، وبعضُه كالبعيد عن الحضرةِ لا يُنال إلا بعد قطع مسافةٍ إليه، وفَضْل تعطُّفٍ بالفكر عليه فإنّ ها هنا ضربين من العِبرة يجب أن تضبطهما أوّلاً، ثم ترجع في أمر التشبيه،
ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 01:27 م]ـ
فإنّك حينئذ تعلم السَّبب في سرعة بعضه إلى الفكر، وإباءِ بعض أن يكون له ذلك الإسراع. فإحدَى العِبْرَتين أنّا نعلم أن الجملة أبداً أسبق إلى النفوس من التفصيل، وأنت تجد الرؤية نفسها لا تصل بالبديهة إلى التفصيل، لكنك ترى بالنَّظَر الأوَّل الوصفَ على الجملة، ثم ترى التفصيل عند إعادة النظر، ولذلك قالوا: النظرة الأولى حمقاء، وقالوا لم يُنعِم النَّظَر ولم يَسْتَقْصِ التأمّل،
ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 01:27 م]ـ
وهكذا الحكم في السمع وغيره، من الحواس، فإنك تتبيّن من تفاصيل الصَّوت بأن يعاد عليك حتى يسمعه مرّةً ثانيةً، ما لم تتبيّنه بالسماع الأول، وتُدرك من تَفْصيل طعم المَذُوق بأن تعيده إلى اللِّسان ما لم تعرفه في الذَّوْقَةِ الأولى، وبإدراك التَّفصيل يقع التفاضُل بين راءٍ وراءٍ، وسامع وسامع، وهكذا،
ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 01:28 م]ـ
فأمَّا الجُمَل فتستوي فيها الأقدام، ثُمَّ تَعلم أنّك في إدراك تفصيل مَا تراه وتسمعه أو تذوقه، كمن ينتَقي الشيء من بين جُمْلة، وكمن يميِّز الشيء مما قد اختلط به، فإنك حين لا يهمُّك التفصيل، كمن يأخذ الشيء جُزَافاً وجَرْفاً.
ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 01:30 م]ـ
وإذا كانت هذه العبرة ثابتةً في المشاهدة وما يجري مجراها مما تناله الحاسّة، فالأمرُ في القلب كذلك تجدُ الجُمل أبداً هي التي تسبق إلى الأوهام وتقع في الخاطر أوّلاً، وتجد التفاصيل مغمُورة فيما بينها، وتراها لا تحضر إلا بعد إعمال للرؤية وإستعانةٍ بالتذكّر.
ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 01:31 م]ـ
ويتفاوت الحال في الحاجة إلى الفكر بحسب مكان الوصف ومرتبته من حدّ الجملة وحدّ التفصيل، وكلّماكان أوغل في التفصيل، كانت الحاجةُ إلى التوقُّف والتذكُّر أكثر، والفقرُ إلى التأمّل والتمهُّل أشدّ،
ـ[المكي]ــــــــ[26 - 01 - 2006, 01:31 م]ـ
وإذْ قد عرفتَ هذه العِبرة، فالاشتراك في الصفة إذا كان من جهة الجملة على الإطلاق، بحيث لا يشوبه شيء من التفصيل نحو أن كِلا الشيئين أسود أو أحمر فهو يقلّ عن أن تحتاج فيه إلى قياس وتشبيهٍ،
¥