ولان صلاة الصبي نافلة في حقه، فصلاته بالمفترضين اختلاف في النية بين الإمام والمأمومين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((فلا تختلفوا عليه))، وأيضا لا يؤمن على الصبي، ولا يستوثق من إتيانه بشروط الصلاة.
وقال به غير واحد من العلماء مستدلين أيضا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ((لا تقدموا سفهاءكم وصبيانكم في صلاتكم .... )) الحديث (6).
وأما ردهم على حديث إمامة عمرو بن سلمة لقومه، قال احمد: ليس في إطلاع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم. فأجابوا عليه بقولهم: زمن الوحي لا يقع التقرير فيه على ما لا يجوز، والمعنى أنه لو كان عملهم غير جائز في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ووقت نزول الوحي لجاء التحريم والإخبار من الله بذلك، دليلهم قول الصحابة (كنا نعزل والقرآن ينزل)، فلو كان العزل لا يجوز لجاء التحريم من الله. والذين قدموا الصبي كلهم صحابة. قال ابن حزم: ولا نعلم لهم مخالفًا كذا في الفتح (7).
ومما ذهب إليه المالكية والحنابلة وغيرهم، في قصة عمرو بن سلمة، إنما أم قومه في النافلة، وأجيب عليهم: بأن قوله (صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلاة كذا في حين كذا) يدل على أن ذلك كان في فريضة. وأيضًا قوله (فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم) لا يحتمل غير الفريضة لأن النافلة لا يشرع لها الأذان.
وممن كره الصلاة خلف الصبي، الإمام الشعبي، والأوزاعي والثوري.
ذهب الحنفية: إلى عدم الجواز في الفرض والنفل مطلقا.
. ومن جملة حجج القائلين بأن إمامة الصبي لا تصح حديث: (رفع القلم عن ثلاثة) ورد بأن رفع القلم لا يستلزم عدم الصحة.
ومن جملتها أن صلاته غير صحيحة لأن الصحة معناها موافقة الأمر والصبي غير مأمور ورد بمنع أن ذلك معناها بل معناها استجماع الأركان وشروط الصحة ولا دليل على أن التكليف منها.
ومن جملتها أيضًا أن العدالة شرط لما مر والصبي غير عدل ورد بأن العدالة نقيض الفسق وهو غير فاسق لأن الفسق فرع تعلق الطلب ولا تعلق وانتفاء كون صلاته واجبة عليه لا يستلزم عدم صحة إمامته لما قرر من صحة صلاة المفترض خلف المتنفل. ذهب إلى جواز المفترض خلف المتنفل كثير وأدلتهم واضحة.
3. الخلاصة: سأورد هنا ما قاله العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين في كتابه الشرح الممتع، وما قاله العلامة الشيخ البسام في كتابه توضيح الأحكام من بلوغ المرام، عليهما رحمة الله.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى شارحا على زاد المستقنع:
وقوله: ((لا صبي لبالغ)) أي: أن الصبي إذا صار إماما، والبالغ مأموما، فصلاة البالغ لا تصح لدليلين؛ أثري ونظري.
أما الأثري؛ فهو ما يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تقدموا سفهاءكم وصبيانكم في صلاتكم ...... )).
وأما النظري؛ فهو أن صلاة الصبي نفل، وصلاة البالغ فرض. والفرض أعلى رتبة من النفل، فإذا كان أعلى رتبة فكيف يكون صاحبه تابعا من هو أدنى منه رتبة؛ لأننا لو صححنا صلاة البالغ خلف الصبي لجعلنا الأعلى تابعا لما دونه؛ وهذا خلاف القياس، والقياس أن يكون الأعلى متبوعا لا تابعا.
وقوله: ((لبالغ)) يفهم منه أن إمامة الصبي للصبي جائزة، وهو كذلك، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله. (وهذا هو القول الأول).
القول الثاني: أن صلاة البالغ خلف الصبي صحيحة.
ودليل ذلك: ما ثبت في ((صحيح البخاري))، من حديث عمرو بن سلمة الجرمي عندما أم قومه .... الحديث.
أما حديث: ((لا تقدموا صبيانكم في صلاتكم))، فهو حديث لا أصل له إطلاقا، فلا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما التعليل: فقد علمنا القاعدة وهي أنه لا قياس في مقابلة النص؛ لان القياس رأي يخطئ ويصيب ولا يجوز القول في الدين بالرأي، فإذا كان لدينا حديث صحيح فان الرأي أمامه ليس بشئ.
¥