تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَبَعَثَ إِلَيْهِ شَيْخُنَا ابْنُ الظَّاهِرِيِّ بِمَشْيَخَةٍ خَرَّجَهَا لَهُ مَعَ الْبَرِيدِ، فَاشْتَهَرَ أَمْرُهَا، وَنُودِيَ لَهَا، وَنَوَّهَ بِذِكْرِهَا فِي الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَتَسَارَعُوا إِلَى سَمَاعِهَا، وَانْتُدِبَ لِقِرَاءتِهَا شَيْخُنَا شَرَفُ الدِّينِ الْفَزَارِيُّ، وَكَانَ الْجَمْعُ نَحْوَاً مِنْ تِسْعِمِائَةِ نَفْسٍ، فَسَمِعَهَا عَلَيْهِ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ شَيْئَاً قَبْلَهَا وَلا بَعْدَهَا، وَنَزَلَ النَّاسُ بِمَوْتِهِ دَرَجَةً.

وكان فقيهاً، إِمَامَاً، أَدِيبَاً، ذَكِيِّاً، ثِقَةً، صَالِحَاً، خَيِّرَاً، وَرِعَاً، فِيهِ كَرَمٌ وَمُرُوءَةٌ وَعَقْلٌ، وَعَلَيْهِ هَيْبَةٌ وَسُكُونٌ. وَكَانَ قَدْ قَرَأَ «الْمُقْنِعَ» كُلَّهُ عَلَى الشَّيْخِ الْمُوَفَّقِ ابْنِ قُدَامَةَ، وَأَذِنَ لَهُ فِي إِقْرَائِهِ، ثُمَّ اشْتَغَلَ بِالْعَائِلَةِ وَتَسَبَّبَ، فَكَانَ يُسَافِرُ فِي التِّجَارَةِ فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ. وَمِنْ بَعْدِ الثَّمَانِينَ ضَعُفَ وَلَزِمَ مَنْزِلَهُ، وَعَاشَ أَرْبَعَاً وَتِسْعِينَ سَنَةً وَثَلاثَةَ أَشْهُرٍ» اهـ.

وَرَوَى عَنْهُ: أبُو مُحَمَّدٍ الدِّمِيَاطِيُّ، وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ الْقُشَيْرِيُّ الْمِصْرِيُّ، وَقَاضِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ بَدْرُ الدِّينِ ابْنُ جَمَاعَةٍ الْكِنَانِيُّ، وَالْقَاضِي نَجْمُ الدِّينِ ابْنُ صَصْرِىٍّ، وَالْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ سُلَيْمَان، وَأَبُو الْعَبَّاسِ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ، وَأبُو مُحَمَّدٍ مَسْعُودُ بْنُ أَحْمَدَ الْحَارِثِيُّ، وأَبُو الْحَسَنِ ابْنُ الْعَطَّارِ، وَأبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ، وَالْعَلَمُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبِرْزَالِيُّ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.

قَالَ الْفَرَضِيُّ فِي «مُعْجَمِهِ»: كَانَ شَيْخَاً عَالِمَاً فَقِيهَاً، زَاهِدَاً عَابِدَاً، مُسْنِدَاً مُكْثِرَاً، وَقُورَاً، صَبُورَاً عَلَى قِرَاءةِ الْحَدِيثِ، مُكْرِمَاً لِلطَّلَبَةِ، مُلازِمَاً لِبَيْتِهِ، مُوَاظِبَاً عَلَى الْعِبَادَةِ، أَلْحَقَ الأَحْفَادَ بِالأَجْدَادِ، وَحَدَّثَ نَحْوَاً مِنْ سِتِّينَ سَنَةً، وَتَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْ شُيُوخٍ كَثِيْرِينَ.

وَقَالَ الْحَافِظُ الْبِرْزَالِيُّ فِي «مُعْجَمِهِ»: كَانَ يَحْفَظُ كَثِيْرَاً مِنَ الأَحَادِيثِ وَأَلْفَاظِهَا الْمُشْكَلَةِ، وَكَثِيْرَاً مِنَ الْحِكَايَاتِ وَالنَّوَادِرِ، وَيَرُدُّ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَيْهِ مَوَاضِعَ، يَدُلُّ رَدُّهُ عَلَى فَضْلٍ وَمُطَالَعَةٍ وَمَعْرِفَةٍ. سَأَلْتُ ابْنَ عَبْدِ الْقَوِي عَنْهُ، وَعَنِ ابْنِ عَبْدِ الدَّائِمِ؟، فَرَجَّحَ فَضِيلَتَهُ عَلَى فَضِيلَةِ ابْنِ عَبْدِ الدَّائِمِ.

وَقَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: «كَانَ فَقِيهَاً إِمَامَاً فَاضِلاً، أَدِيبَاً زَاهِدَاً صَالِحَاً خَيِّرَاً، عَدْلاً مَأْمُونَاً. سَأَلْتُ أَبَا الْحَجَّاجِ الْمِزِّيَّ الْحَافِظَ عَنْهُ؟، فَقَالَ: أَحَدُ الْمَشَايِخِ الأَكَابِرِ، وَالأَعْيَانِ الأَمَاثِلِ، مَنْ بَيْتِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ، وَلا يُعْلَمُ أَنَّ أَحَدَاً حَصَلَ لَهُ مِنَ الْحَظْوَةِ فِي الرِّوَايَةِ فِي هَذِهِ الأَزْمَانِ مِثْلَ مَا حَصَلَ لَهُ.

وَقَالَ شَيْخُنَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ: يَنْشَرِحُ صَدْرِي إِذَا أَدْخَلْتُ ابْنَ الْبُخَارِيِّ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ.

وَكَانَ الشَّيْخُ فَخْرُ الدِّينِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ يَتَعَاطَى السَّفَرَ لِلتِّجَارَةِ، فَلَمَّا أَسَنَّ لَزِمَ بَيْتَهُ مُتَوَفِّرَاً عَلَى الْعِبَادَةِ وَالرِّوَايَةِ، وَلَمْ يَتَدَنِّسْ مِنَ الأوْقَافِ بِشَيْءٍ، بَلْ هُوَ وَقَفَ عَلَى مَدْرَسَةِ عَمِّهِ الْحَافِظِ ضِيَاءِ الدِّينِ مِنْ مَالِهِ» اهـ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير