وكثر في عصرنا ما قاربه بين المنتسبين إلى الحديث استعمال " عن ". في الأجازة، في إذا قال أحدهم: قرأت على فلان عن فلان، أو نحو ذلك، فظن به أنه رواه عنه بالإجازة. ولا يخرجه ذلك من قبيل الاتصال على مالا يخفى، والله أعلم.
....
** اختلفوا في قول الراوي أن فلانا قال كذا وكذا هل هو بمنزلة " عن "
في العمل على الاتصال، إذا ثبت التلاقي بينهما، حتى يتباين فيه الانقطاع. مثاله: مالك، عن الزهري: أن سعيد بن المسيب قال كذا.
فروينا عن مالك رضي الله عنه أنه كان يروى عن " فلان " و " أن فلانا "، سواء.
وعن أحمد بن حنبل رضي الله عنه: أنهما ليسا سواء.
وحكى ابن عبد البر عن جهور أهل العلم: أن " عن " و " أن " سواء: وأنه لا اعتبار بالحروف و الألفاظ، وإنما هو باللقاء والمجالسة، والسماع والمشاهدة يعني مع السلامة من التدليس، فإذا كان سماع بعضهم من بعض صحيحأ كان حديث بعضهم عن بعض - بأي لفظ ورد - محمولاً على الاتصال، حتى يتبين فيه الانقطاع.
وحكى ابن عبد البر عن أبي بكر البرديجي: أن حرف " أن " محمول على الانقطاع على حتى يتبين السماع في ذلك الخبر بعينه من جهة أخرى.
وقال: عندي لا معنى لهذا، لإجماعهم على أن الإسناد المتصل بالصحابي سواء فيه قال: قال صلى الله عليه وسلم: أو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أو: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال. أو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، الله أعلم.
قلت: ووجدت مثل ماحكاه عن البرديجي أبي بكر الحافظ للحافظ الفحل يعقوب بن شيبة في مسنده الفحل فانه ذكر مارواه أبو الزبير عن ابن الحنفيه عن عمار قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، فرد علي السلام. وجعله مسندا موصلاً. وذكر رواية قيس بن سعد لذلك، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن الحنفية: أن عمارا مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلى. فجعله مرسلاً: من حيث كونه قال: أن عمارا فعل ولم يقل عن عمار، والله أعلم.
ثم أن الخطيب مثل هذه المسألة بحديث نافع، عن ابن عمر: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أينام أحدنا وهو جنب؟ " الحديث. ثم قال وفي روايه أخرى: عن نافع عن ابن عمر: أن عمر قال: " يا رسول الله ... " الحديث. ثم قال: ظاهر الرواية الأولى يوجب أن يكون من مسند عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. والثانية ظاهرها يوجب أن يكون من مسند ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: ليس هذا المثال مماثلاً: لما نحن بصدده، لان الاعتماد فيه في الحكم بالاتصال على مذهب الجمهور انما هو على اللقي والإدراك، وذلك في هذا الحديث مشترك متردد، لتعلقه بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعمر رضي الله عنه، وصحبة الراوي ابن عمر لهما، فاقتضى ذلك من جهة: كونه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن جهة أخرى: كونه رواه عن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
...
** قد ذكرنا ما حكاه ابن عبد البر من تعميم الحكم بالاتصال
فيما يذكره الراوي عن من لقيه بأي لفظ كان.
وهكذا أطلق أبو بكر الشافعي الصيرفي ذلك فقال: كل من علم له سماع من إنسان: فحدث عنه، فهو على السماع، حتى يعلم أنه لم يسمع منه ما حكاه. وكل من كان له لقاء إنسان، فحدثه عنه فحكمه هذا الحكم.
و قال هذا فيمن يظهر تدليسه.
ومن الحجة في ذلك وفي سائر الباب: أنه لو لم يكن قد سمعه منه لكان باطلاقه الرواية عنه - من غير ذكر الواسطة بينة وبينه - مدلسا، والمظاهر السلامة من وصمة التدليس والله أعلم
الكلام فيمن لا يعرف التدليس.
ومن أمثلة ذلك: قوله " قال فلان وكذا وكذا " مثل أن يقول نافع: قال ابن عمر. وكذلك لو قال عنه " ذكر، أو فعل، أو حدث، أو: كان يقول كذا وكذا " وما جانس ذلك فكل ذلك محمول ظاهراً على الأتصال وأنه تلقى ذلك منه من غير واسطة بينهم، مهما ثبت لقاؤه له على الجملة.
ثم منهم من اقتصر في هذا الشرط المشترط في ذلك ونحوه على مطلق اللقاء أو السماع، كما حكيناه آنفاً. وقال فيه أبو عمرو المقري: إذا كان معروفاً بالرواية عنه. وقال فيه أبو الحسن القابسي: إذا أدرك المنقول عنه إدراكأ بينا.
وأبو المظفر السمعاني في العنعنة: أنه يشترط طول الصحبة بينهم.
وأنكر مسلم بن الحجاج في خطبة صحيحه على بعض أهل عصر، حيث اشترط في العنعنة ثبوت اللقاء والاجتماع، وأدعى أنه قول مخترع لم يسبق قائله أليه، أن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبأر قديمآ وحديثأ: أنه يكفي في ذلك أن يثبت كونهما في عصر واحد؟ أن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا أو تشافها.
وفيما قاله مسلم نظر، وقد قيل: أن القول الذي رده مسلم هو الذي عليه أئمة هذا العلم: علي بن المدني، والبخاري، وغيرهما، والله أعلم.
قلت: وهذا الحكم لا أراه يستمر بعد المتقدمين، فيما وجد من المصنفين في تصانيفهم: مما ذكروه عن مشايخهم قائلين فيه " ذكر فلان " ونحو ذلك، فافهم كل ذلك، فإنه مهم عزيز. والله أعلم. انتهى
¥