تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فيحتلبون، فإذا كان سَحَر سرح مع الناس، قالت عائشة: وجهزناهما أحب الجهاز، وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فأوكت به الجراب، وقطعت أخرى فصيرته عصامًا لفم القربة، فبذلك سميت ذات النطاقين، ومكث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر في الغار ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، واستأجر أبو بكر رجلاً من بني الديل هاديًا خريتًا يقال له عبد الله بن أريقط، وهو على دين الكفر، ولكنهما أمناه فارتحلا ومعهما عامر بن فهيرة، فأخذ بهم ابن أريقط يرتجز، فما شعرت قريش أين وجّه رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، حتى سمعوا صوتًا من جني من أسفل مكة ولا يرى شخصه يقول:

جزى الله رب الناس خير جزائه

رفيقين حلا خيمتي أم معبد

هما نزلا بالبر ثم تروَّحا

فأفلح من أمسى رفيق محمد

التخريج

القصة من هذا الطريق وبهذا اللفظ، أخرجها ابن سعد في "الطبقات" (1 - 110)، حيث قال: "أخبرنا مسلم بن إبراهيم، أخبرنا عون بن عمرو القيسي أخو رياح القيسي، أخبرنا أبو مصعب المكي قال: أدركت زيد بن أرقم، وأنس بن مالك، والمغيرة بن شعبة فسمعتهم يتحدثون أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ... " فذكر القصة.

التحقيق

القصة من هذا الطريق ليست صحيحة، وسندها لا يصلح للمتابعات والشواهد، وفي السند علتان:

الأولى: عون بن عمرو القيسي.

أورده الذهبي في "الميزان" (3 - 306 - 6535) حيث قال: "عون بن عمرو، أخو رياح بن عمرو، بصري، قال ابن معين: لا شيء، وقال البخاري: عون بن عمرو القيسي جليس لمعتمر، منكر الحديث مجهول".

قلت: 1 - من أشد صيغ الجرح عند البخاري قوله: "فلان منكر الحديث".

يظهر ذلك من قول السيوطي في "التدريب" (1 - 349): "البخاري يطلق (فيه نظر)، و (سكتوا عنه) فيمن تركوا حديثه، ويطلق (منكر الحديث) على من لا تحل الرواية عنه".

2 - قول ابن معين: (لا شيء)، فسره الإمام ابن أبي حاتم في كتابه "الجرح والتعديل" (3 - 321) حيث قال: "معنى قول ابن معين: "لا شيء": ليس بثقة".

قلت: ولقد أورد الإمام الذهبي في "الميزان" (3 - 307) هذه القصة وبهذا الطريق وجعلها من مناكير عون بن عمرو، حيث قال: "مسلم بن إبراهيم، حدثنا عون بن عمرو، سمعت أبا مصعب المكي يقول: أدركت زيد بن أرقم وأنسًا والمغيرة بن شعبة وسمعتهم يتحدثون أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليلة الغار قال: أمر الله شجرة نبتت في وجه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فسترته، وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار ... " الحديث.

وأبو مصعب لا يعرف.

قلت: وهذه هي العلة الثانية. فمتن القصة يدور حول ثلاث جمل:

الأولى: لطم أبي جهل لأسماء، وقد أثبتنا أن هذه الجملة "واهية" كما بيّنا في التحقيق آنفًا.

الثانية: عدم دراية بنت أبي بكر بمكان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وقد أثبتنا أن هذه الجملة غير صحيحة، ومنكرة، كما هو مبيّن في التحقيق، وسنبين البديل الصحيح دراية بنت أبي بكر بمكان الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وقيامهم بالإمداد والتمويه والإخبار.

الثالثة: إقبال رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات من الشعر من غناء العرب.

وهذه الجملة أثبتنا أنها باطلة، وأن الطريق الآخر الذي جاءت فيه باطل، لا يصلح للمتابعات والشواهد، لما فيه من متروكين ومجهولين.

قلت: وهناك روايات أخرى يذكر فيها هذا الشعر دون ذكر لجملة لطم أبي جهل لأسماء، ودون ذكر للرجل من الجن أقبل والناس يتبعونه، كما في الرواية التي أخرجها الطبراني في "الكبير" (4 - 48) (ح3605).

وهذه أيضًا رواية (غير صحيحة)، حيث أوردها الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5 - 58) وقال: "وفي إسناده جماعة لم أعرفهم".

بدائل صحيحة

سنذكر البدائل الصحيحة التي تبيّن دراية بيت أبي بكر بمكان الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وأن هذا البيت العظيم قام بأعظم جهاد في الهجرة، منذ خروج رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من مكة حتى وصوله إلى المدينة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير