تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما قوله: "وقد خالفه معمر عن ثابت فلم يذكر أن أبي وأباك في النار، ولكن قال له إذا مررت بقبر كافر فبشره بالنار. وهذا اللفظ لا دلالة فيه على والده صلى الله عليه وسلم بأمر البتة وهو أثبت من حيث الرواية فإن معمر اثبت من حماد فإن حمادا تكلم في حفظه ووقع في أحاديثه مناكير ذكروا أن ربيبه دسها في كتبه وكان حماد لا يحفظ فحدث بها فوهم فيها ومن ثم لم يخرج له البخاري شيئا ولا خرج له مسلم في الأصول إلا من روايته عن ثابت قال الحاكم في المدخل ما خرج مسلم لحماد في الأصول إلا من حديثه عن ثابت وقد خرج له في الشواهد عن طائفة؟ وأما معمر فلم يتكلم في حفظه ولا استنكر شيء من حديثه واتفق على التخريج له الشيخان فكان لفظه أثبت".

فالرد عليه من وجهين:

الأول: أنني بحثت في المصادر التي بين يدي؛ فلم أجد، مخالفة معمر بن راشد لحماد بن سلمة، فلعل السيوطي وقف عليها في مصدر غير مطبوع (2).

الثاني: سلَّمنا جدلاً أن مخالفة معمر لحماد؛ كلاهما عن ثابت البُناني موجودةٌ، فإن دعواه أن معمراً أثبتُ من حماد في ثابت البُناني أمرٌ يبعث العجب، فإن الحديثيَّ المبتدئ في طلب علم الحديث يعرف أن حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت، فكيف بالسيوطي الذي ألف كتاب "تدريب الراوي" الذي صار من الكتب المعتمدة عند المتأخرين والمعاصرين، وكذا ألف "الفية الحديث"؟! والذي كان آيةً في الحفظ؟! أهو الجهل؟! لا أعتقد، أم الهوى؟! الله أعلم.

ولا بأس أن أذكر أقوال بعض أهل العلم التي تدلل على أن حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت البُناني، وأن معمر بن راشد ضعيف في ثابت.

قال الإمام يحيى بن معين: "من خالف حماد بن سلمة في ثابت، فالقول قول حماد" (2). وقال أبو بكر ابن أبي خيثمة عن يحيى بن معين: "أثبت الناس في ثابت حماد بن سلمة". وقال الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله –: "حماد بن سلمة أثبت في ثابت من معمر". وقال الإمام علي ابن المديني: "لم يكن في أصحاب ثابت أثبت من حماد". وقال يحيى بن معين: "ومعمر عن ثابت ضعيف". وقال: "وحديث معمر عن ثابت، و عن عاصم ابن أبي النجود، وعن هشام بن عروة، وهذا الضرب مضطرب كثير الأوهام" (3). وقال العقيلي (4): "أنكرُ الناس حديثًا عن ثابت: معمرُ بن راشد".

قال الحافظ الخطيب البغدادي (5): "قال محمد بن بشار – بندار -: "حفاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة بالري،

ومسلم بنيسابور، والدارمي بسمرقند، والبخاري ببخارى." "

وهذا الحديث لم يذكره الإمام الدارقطني – رحمه الله – في كتابه "الإلزامات والتتبع"، بل مازال الحفاظُ من أهل العلم يتقبلون هذا الحديث بصدر رحب وتسليم تام طالما عهدناه من أهل الحديث. فهذا الإمام البيهقي – عليه رحمة الله تعالى – يُخرّج الحديث كما في "السنن الكبرى" ويقول قبل تخريجه (7/ 190): "وأبواه – صلى الله عليه وسلم – كانا مُشْركَيْن بدليل ... " ثم ساق الحديث بإسناده. وقال النووي – رحمه الله – (6) "فيه أن من مات على الكفر فهو في النار، ولا تنفعه قرابة المقربين. وفيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار."

بل إنه تنكَّب إدخالَ الحديث في كتابه "الجامع الصغير" الذي حَشَدَ فيه كلَّ ما هبَّ ودبَّ (7). لكن صدق الإمام المعلمي – رحمه الله تعالى- حينما قال (8): "كثيرا ما تجمح المحبة ببعض الناس، فيتخطى الحجة ويحاربها، ومن وُفّق علم أن ذلك مناف للمحبة الشرعية. والله المستعان".

فإذا كان الأمرُ كذلك، فاعلم أن قوله: " وقد خالفه معمر عن ثابت فلم يذكر أن أبي وأباك في النار، ولكن قال له إذا مررت بقبر كافر فبشره بالنار" مردودٌ؛ وهذه الرواياتُ التي ذكرها منكرةٌ، لمخالفة معمر حماداً في ثابت وقول حماد مقدَّم، كما تقدَّم من أقوال الجهابذة النقاد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير