قلت: ومع أن الترمذي لم يصحح هذا- كيف وهو قد ذكره بلاغاً وهو نقل عن مجهول- " فهو شاذ غير مقبول كما قال (الجديع) نفسه؛ ومع ذلك فهو يقول في قول الترمذي:
"ولعل هذا القول هو عمدته في تصحيح الحديث، ولذا ذكره، ووافق الترمذي
أبو داود في نقله عن قتيبة، لكن في رواية أبي داود:
سمعت قتيبة يقول: "بلغني أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ". قلت: واعتمد هذا القول
أبو داود فقال في محمد بن كعب: سمع من علي، ومعاوية، وابن مسعود". فأقول: أما قوله: "ولعل ... " إلخ فيقال له: اجعل (لعل) عند ذاك الكوكب، وكذلك قوله: "واعتمد هذا القول أبو داود ... " فهو مثله أو أسوأ؛ لأنه مجرد دعوى لا دليل عليها، فسبيلها أن يضرب بها عرض الحائط، لا سيما وهي في صدد ردّ حقيقة ثابتة، وهي تصريح الراوي الثقة بالسماع، بل واتهام لحافظين من حفاظ الأمة أنهما يصححان الأحاديث بناء على بلاغ منقطع لا يخفى على المبتدئ في هذا العلم ضعفه. وإني- والله- لأعجب من جرأة هذا الباحث على مثل هذه الدعوى الهدامة التي لم يسبق إليها، وليس هذا فقط، بل ولا يقيم وزناً لبعض الأقوال التي تؤيد الاتصال من بعض الحفاظ من أئمة الجرح والتعديل المطلعين على أقوال الحفاظ السابقين من الناقدين، كالحافظ العسقلاني الذي رد البلاع الذي تقدم عن قتيبة بقوله:
"لاحقيقة له ".
ومع ذلك؛ فإنه لم يرد قول أبي داود الصريح بسماع القرظي من ابن مسعود والآخرين معه، بل إنه أشار إشارة قوية إلى تمريض القول المخالف له؛ فإنه لما ذكر في مطلع ترجمته جماعة من الصحابة الذين روى عنهم، وفيهم هؤلاء الثلاثة؛ عقب على ذلك بقوله:
"يقال: إن الجميع مرسل ".
وهو قول الحافظ المزي في "تهذيبه "، ولذلك رأيت الحافظ العلائي في "جامع التحصيل " (ص 329) يعقب على قول أبي داود الصريح بالسماع بقوله:
"وهذا هو الصحيح ... "
ثم احتج له بهذا الحديث، مشيراً إلى صحته، ومبطلاً لقول من قد يقول بانقطاع إسناده!
ويخطر في البال أن المخالف شعر أن ما تشبث به لا يكفي لإثبات الانقطاع، فلجأ إلى شيء بديع لم يتنبه له أولئك الحفاظ! ألا وهو الاحتجاج بما ذكروه من تاريخ ولادة (محمد بن كعب القرظي)، وهو سنة (40) على أكثر ما قيل، وما ذكروه في وفاة ابن مسعود، وهي سنة (33) على أكثر الأقوال؛ وعليه قال (ص 99):
"وأي ذلك كان الصواب؛ فإنه ولد قطعاً بعد موت ابن مسعود"!
فأقول: أثبت العرش ثم انقش؛ فإن الأقوال التي قيلت في تاريخ ولادته هي أقوال معلقة لا زمام لها ولا خطام، فالاعتماد عليها فاسد الاعتبار في مثل هذا المجال، وأتعجب منه! لقد رد قول قتيبة: بلغني .. المتقدم بأنه عن مجهول فهو شاذ غير مقبول، رده لأنه يثبت اتصال سند الحديث الذي رفضه، والآن تشبث بالتاريخ الذي لا سند له؛ لأنه يؤيد الانقطاع الذي زعمه!! وأعل به رواية الثقة
الذي قال عن محمد بن كعب: سمعت عبدالله بن مسعود ... فاعتبروا يا أولي الأبصار!
لقد ذكرني صنيع هذا الباحث بما فعله بعض الحنفية بحديث أبي هريرة الصحيح: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر أو العصر، فسلم في ركعتين ... - الحديث- وفيه قصة ذي اليدين وإتمامه - صلى الله عليه وسلم - الصلاة بعد قوله: "أصدق ذو اليدين؛ ". متفق عليه، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (923). فأعله بعض الحنفية انتصاراً لمذهبه بقول الزهري: إن صاحب القصة- يعني: ذا اليدين- استشهد ببدر، وأبو هريرة أسلم عام خيبر. فأعل الصحيح بقول الزهري المعضل، فهذا كذاك! انظر "فتح الباري " (3/ 96 - 97). *
ـ[عبد الكريم آل عبد الله]ــــــــ[16 - 10 - 10, 11:14 م]ـ
واضح أنه يقصد الشيخ عبد الله الجديع, وجزيت خيراً على الفائدة, وإن كان اعتماد الجديع في إثبات الانقطاع ليس تاريخ ولادة محمد بن كعب, وإنما ذكر هذا تبعاً.
ـ[الخطيمي]ــــــــ[17 - 10 - 10, 05:11 ص]ـ
شدة الشيخ ومثل كلامه هذه وأشد قاله في مناقشته لجمع من المشايخ, كالشيخ إسماعيل الأنصاري, والشيخ حمود التويجري رحمهم الله, والشيخ مصطفى العدوي حفظه الله وغيرهم.
ومن عرف شدة الشيخ الألباني في الحق عرف هذا جيدا.
وإلا للزم إسقاط كل من قال فيهم الشيخ مثل هذا.
مع التنبيه أن الشيخ رحمه الله أثنى على كتاب الشيخ الجديع الأول في تخريج أحاديث المعازف بالجملة, وذلك في كتابه تحريم آلات الطرب.
¥