قال البزار: «وهذا الحديث خالف موسى بن خلف في إسناده هشام صاحب الدستوائي، فرواه هشام عن يحيى عن يعيش بن الوليد عن مولى الزبير عن الزبير، وقال موسى عن يحيى عن يعيش مولى ابن الزبير عن ابن الزبير، و هشام أحفظ».
قلت: الوجه الأول عن موسى أصح، وخلف بن موسى وصفه ابن حبان بالخطأ، فلعله غلط فيه على أبيه! نعم: ربما يكون موسى لم يكن يضبطه! ففي حفظه مقال!
ويؤيد هذا: أن موسى قد رواه على لون ثالث! فقال ابن أبي حاتم في «العلل» [رقم/2500]: «وَسُئِلَ أَبُو زُرعَةَ عَن حَدِيثٍ؛ رَواهُ مُوسَى بن خَلَفٍ، عَن يَحيَى بن أَبِي كَثِيرٍ، عَن يَعِيشَ مَولَى ابنِ الزُّبَيرِ، عَنِ الزُّبَيرِ، أَنّ النَّبِيَّ (، قالَ: «دبَّ إِلَيكُم داءُ الأُمَمِ قَبلَكُم: الحَسَدُ والبَغضاءُ، هِيَ الحالِقَةُ، لاَ أَقُولُ تَحلِقُ الشَّعرَ، وَلَكِن تَحلِقُ الدِّينَ، والَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لاَ تَدخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤمِنُوا، وَلا تَؤمِنُوا حَتَّى تَحابُّوا، أَلا أُنَبِّئُكُم بِما يُثبِتُ ذَلِكُم: أَفشُوا السَّلامَ بَينَكُم». قالَ أَبُو زُرعَةَ: رَواهُ عَلِيُّ بن المُبارَكِ، وَشَيبانُ، وَحَربُ بن شَدّادٍ، عَن يَحيَى بن أَبِي كَثِيرٍ، عَن يَعِيشَ بن الوَلِيدِ بن هِشامٍ أَنَّ مَولًى لآلِ الزُّبَيرِ حَدَّثَهُ: أَنَّ الزُّبَيرَ، حَدَّثَهُ، عَنِ النَّبِيِّ. قالَ أَبُو زُرعَةَ: والصَّحِيحُ هَذا، وَحَدِيثُ مُوسَى بن خَلَفٍ وَهمٌ».
قلتُ: ومشى المنذري على ظاهر رواية موسى عند البزار، وقال في «الترغيب» [3/ 285]: «رواه البزار بإسناد جيد»! وتابعه على ذلك: الهيثمي في «المجمع» [6/ 64]، فقال: «رواه البزار وإسناده جيد». وهذا تساهل منهما لا يخفى مورده؟!
[فائدة] الهيثمي مغرم بمتابعة المنذري في أحكامه على الأحاديث صحة وضعفًا في كل مرة! وعمدته في ذلك كتاب (الترغيب والترهيب)، وهو يحاكيه في عبارته كثيرًا جدًا! وكذا يفعل الشهاب البوصيري في (إتحاف الخيرة)! فيذكر لفظ المنذري بالحرف دون أن ينسبه إليه! ولذلك وقعا في تلك الأوهام التي وقعتْ للحافظ زكي الدين من قبل؟ وليس ذلك عن نظر منهما وتعب للنفس وإجهاد! وإنما هو عن متابعة قاصرة عن موارد الاجتهاد!
ومتابعة المتقدم للمتأخر في أبواب النقد والتعليل والجرح والتعديل: ليست من باب التقليد في شيء! وإنما هي قبول خبر من أوجب الله علينا قبول خبره ونِذارَته من الثقات العدول الأُمَناء!
فالجادة أن يقال في مثل ما نحن بصدده: وقد تابع الهيثميُّ المنذريَّ في تجويده هذا الحديث، ولا يقال: قلَّده! فإنها مناكدة ومناكرة قد شُغِفَ بها جماعة من المتأخرين للتشنيع بها في كل ما دق وجلَّ!
نعم: ليست المتابعة المجردة عن التحرير والتنقيب من شِيَم أهل النقد واليقظة في هذا الفن! فضلا عن الانتصار بمحض التعصب لأقوال هذا وذاك من أهل العلم!
كما أن التسليم للحذاق من متقدمي أئمة هذا الفن في أبواب هذا العلم: ليس من التقليد في شيء! ولا من التعصب لهم في كل نشْرٍ وطَيّ! بل هو من باب إعطاء القوس باريها، والخنوعِ للذي أقام لها سوق حاضرها وأمجاد ماضيها.
لكن ثمة من يأبى إلا التفنُّج على رُبَّان سفينته، والثورة عليه والخروج عن طاعته! ناصبًا لنفسه كرسيَّ المخالفة بالمجازفة! قاصفًا جهود الأئمة برياح طيشه العاصفة! ناسيًا أن نَفْسَه أضَرَّ، وإلى معاقد الخسار قد جُرَّ واجترَّ.
نسأل الله التبصير بحقيقة أنفسنا، ومعرفة أقدار السابقين عند المقارعة لهم بِنِبال جهلنا ورماح خَسِيسَتِنا!
تابع البقية: ...
ـ[أبو المظفر السِّنَّاري]ــــــــ[22 - 10 - 10, 09:49 م]ـ
ثم جاء معمر بن راشد وخالف الجميع! ورواه عن ابن أبي كثير فقال: عن يحيى بن أبي كثير عن يعيش بن الوليد به مرسلا ... ! هكذا أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» [رقم/19438]، ومن طريقه البغوي في «شرح السنة» [12/ 259]، قال: أخبرنا معمر به ...
¥