ومنكل ما تقدم يتبين أن قوله صلى الله عليه وسلم: "أنتم أعلم بأمر دنياكم" لا يتعارض مع النصوص الشرعية التي جاءت متعلقة بأمور الدنيا، وبالتالي فإنه لا يمكن أن يستفاد من ذلك الحديث أن المسائل المتعلقة بالنظام السياسي هي من الأمور المتروكة للبشر، وذلك لأن النظام السياسي جاءت في شأنه نصوص شرعية من الكتاب والسنة عامة وخاصة تبين وتفصل الأحكام المتعلقة به.
الوجه الرابع: أن يقال ما هو الضابط الذي تعتمدون عليه في التفريق بين "أمر الدنيا" الموكول للبشر وبين "أمر الدين" الموكولإلى الشريعة؟ حيث إنكم لم تقدموا ضابطاً صحيحاً تفرقون به بين "أمر الدنيا" و"أمرالدين" فأنتم لستم تتبعون أو تتعلقون في قولكم: هذا من أمر الدنيا، وذاك من أمرالدين بنص شرعي، أو بكلام لأحد من أئمة العلم المعروفين لا قديماً ولا حديثاً، وإنما أنتم تتبعون في تفريقكم الباطل من قلدتموهم من أهل الغرب أو الشرق الكافرالذين فصلوا الدولة عن الدين أو الدنيا عن الدين، إذ كما هو معروف مشهور عندما تسلطت الكنيسة على الناس بالباطل، وحدث بين ممثلي الكنيسة من جانب والناس من جانب مناوشات وصراع مرير طويل، انتهى الأمر بعزل الكنيسة عن التدخل في أمور الدنيا أوالدولة، وقُصر تدخلها أو قُصِرت صلاحيتها على التوجيه الروحي والوصايا الأخلاقية، وبعد هذا الوضع النهائي للكنيسة عندهم، أصبحت "أمور الدين" -عندهم- محصورة في علاقة الفرد بربه، وما يتصل بذلك من عقيدة الإنسان في ربه، وأنواع القرب التي يتقرب بها إليه لينال رضاه من غير أن يكون لتلك العلاقة أي بعد أو أثر خارج دائرة الفرد نفسه.
كما أصبحت "أمور الدنيا" تعني -عندهم- كل ما يتصل بحياة الفرد والجماعة داخل المجتمع، وما يترتب على ذلك من أنظمة وعلاقات ومعاملات وقوانين.
وقد تم الفصل الكامل بين هاتين الدائرتين: دائرة "أمورالدنيا"، ودائرة "أمور الدين"، وترتب على ذلك أن الدين -عندهم- أصبح محصوراً في نطاق الإنسان الفرد وحده، أو في داخل الكنيسة حيث يؤدي هؤلاء ما يعتقدون أنه من الدين عندهم، حتى إذا خرجوا من تلك الكنائس إلى واقع الحياة لم يكن للدين أدنى سلطان على تنظيم الحياة وقيادتها إلا ما كان من بعض الوصايا أو العظات الخلقية غيرالملزمة؛ لأن ذلك خارج عن نطاقه وصلاحياته.
بينما أمور الدين تشمل عند المسلمين كل ما تعلق به الخطاب الشرعي أمراً أو نهياً أو خبراً، فما تعلق به الخطاب على وجه الأمر فيكون من الدين فعل المأمور به، وما تعلق به الخطاب على وجه النهي فيكون من الدين اجتناب المنهي عنه، وما تعلق به الخطاب على جهة الخبر، فيكون من الدين تصديق ما أخبر به.
ومن المعلوم البين الذي لا يحتاج إلى كبير بيان أوإيضاح أن الخطاب الشرعي قد تعلق على جهة الأمر والنهي بالأمور أو المسائل التي تتناول حياة الفرد أو الجماعة داخل المجتمع مما يطلق عليه أنه من الأمور الدنيوية وهي في الوقت نفسه مما يطلق عليه أنه من أمور الدين وذلك لتعلق الخطاب الشرعيبه.
إذن فتعريف هؤلاء لأمر الدنيا، وما ترتب عليه من إخراج النظام السياسي في الإسلام من أمور الدين رغم تعلق الخطاب الشرعي به وإدخاله في أمور الدنيا التيلا دخل للشرع فيها، هو أمر مأخوذ أصلاً من طبيعة العلاقة بين الدين النصراني المحرفوبين الفكر العلماني، وغنى عن البيان أن ما كان كذلك فلا يصح أن يكون حجة في دين المسلمين).
ـ[أحمد بن عبد المنعم السكندرى]ــــــــ[01 - 11 - 10, 12:21 م]ـ
ثالثا: الرد على تضعيف الشيخ محمد الأمين عفا الله عنه:
الشيخ محمد الأمين عفا الله عنه واسع الخطو في تضعيف أحاديث صحيح مسلم، لذا فقد ضعف حديث:"أنتم أعلم بأمر دنياكم"، و سنقوم في هذا المبحث بالتعليق على كلام الشيخ عفا الله عنه، و بيان الصواب في ذلك باذن الله تعالى، فحيثما وجد باللون الأحمر فهو من كلام الشيخ، و حيثما وجد باللون الأسود فهو من كلام العبد الفقير:
قال الشيخ عفا الله عنه:
¥