وقد اعتنى مؤلّفه بالأوجه اللغوية غاية العناية، حتى أن أهل اللغة اهتمّوا بالكشاف كأهل التفسير أو أكثر، فالمؤلف في هذا الميدان فارسٌ لا يشقّ له غبار، بشهادة المخالفين قبل الموافقين، فقد ضمّن تفسيره نوادر لم يسبق إليها، وعجائب أغفلها غيره.
*الإنتقادات التي وُجِّهت لتفسير الكشّاف:
*الانتقاد الأوّل:
اتّضح لنا من خلال تعريفنا للمؤلف أنّه "معتزلي" والمعتزلة: فرقة إسلامية نشأت في أواخر العصر الأموي وازدهرت في العصر العباسي، وقد اعتمدت على العقل المجرد في فهم العقيدة الإسلامية لتأثرها ببعض الفلسفات المستوردة مما أدى إلى انحرافها عن عقيدة أهل السنة والجماعة. وقد أطلق عليها أسماء مختلفة منها: المعتزلة والقدرية والعدلية وأهل العدل والتوحيد والمقتصدة والوعيدية، وهي من الفرق التي اندثرت منذ قرون ولكن بقي بعض مؤلفاتهم ومنها "الكشاف".
ومع ظهور الفرق، والاختلافات، بدأ علم التفسير ينحى منحى آخر، حيث أصبحت كلّ فرقة تنتصر لآرائها، من خلال استشهادها بالقرآن الذي هو حجّة لدى سائر الفرق، فالآيات هي الآيات، ولكن التفسير يختلف من فرقة إلى أخرى، فكان هذا مما أخِذ على الزمخشري، فهو لا ينفكّ ينتصر لمذهبه، ويروّج لمبادئه، من خلال تفسيره.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة مقدمة التفسير بعدما تكلم عن أهل البدع ومناهجهم في التفسير: " .. وعمدوا إلي القرآن فتأولوه على آرائهم، تارة يستدلون بآيات علي مذهبهم ولا دلالة فيها، وتارة يتأولون ما يخالف مذهبهم بما يحرفون به الكلم عن مواضعه.وهذا كالمعتزلة مثلاً فإنهم من أعظم الناس كلاماً وجدالاً. وقد صنفوا تفاسير على أصول مذهبهم والكشاف لأبي القاسم الزمخشري، فهؤلاء وأمثالهم اعتقدوا مذاهب المعتزلة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين شارحًا ما سبق: "الكشاف لأبي القاسم الزمخشري كتاب معروف متداول، وهو جيد في اللغة والبلاغة، لكنه على أصول المعتزلة مثل ما قال الشيخ، ولا تكاد تعرف كلامه في ذلك إلا إذا كان عندك علم بمذهب المعتزلة ومذهب أهل السنة والجماعة؛ لأنه رجل جيد وبليغ، يدخل عليك الشيء وأنت لا تشعر به، حتى كأنك تظن أن هذا هو الكلام الصحيح السداد، لكن فيه بلاء، فمثلا: قال: (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) (آل عمران: 185)، قال أي: فوز أعظم من دخول الجنة والنجاة من النار؟! وهذا كلام طيب. لكنه يريد نفي رؤية الله عز وجل؛ لأن رؤية الله عز وجل أعلى شيء، كما قال تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) (يونس: 26)، فأنت إذا قرأت هذا الكلام فستجده صحيحا، فليس هناك فوز أعظم من دخول الجنة والنجاة من النار، ولن تدري أن هذا الرجل يشير إلى أنه لا رؤية، وأن الله لا يرى؛ لأن رؤية الله اعظم من دخول الجنة، وأعظم من كل شيء. وله أشياء عجيبة وتصرف يتلاعب بالعقول. إذا لم يكن عندك حذر منه ومعرفة بأصول المعتزلة، وأصول أهل السنة والجماعة، فإنك تضل. هذا إذا تكلم فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته وما يتعلق بمذهبهم، أما إذا تكلم في البلاغة والعربية فهو جيد".
وقال ابن خلكان: "كان إمام عصره وكان متظاهرا بالاعتزال داعية إليه".
وقال الامام ابن حجر: "معتزلي داعياً الى بدعته فكن حذراً من كشافه".
وقال سماحة الشيخ د. عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين في كتاب الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد - عند ذكر المعتزلة -: "وممن اعتنق مذهبهم من مشاهير اللغويين الزمخشري صاحب التفسير المشهور بالكشاف، فإنه معتزلي مبالغ في الاعتزال، ضمّن تفسيره عقيدة الاعتزال".
وممن تتبعوا "اعتزاليات" الكشاف، ابن المنيّر الإسكندريّ، فقد ألّف (الإنصاف من الكشاف) ويسمّى أيضا (الإنصاف فيما تضمنّه الكشاف من الاعتزال). "طبع في ذيل الكشاف"
*الانتقاد الثاني:
كثرة الأحاديث الموضوعة والضعيفة في تفسيره:
¥