تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت: وهي قوله عَزَّ وَجَلَّ: ? كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ? (هود: 1). أي: نُظِمَتْ نظمَاً مُحكَمَاً، لا يعتريهِ إخلالٌ من جهة اللَّفظِ والمعنَى، وَعَلَى هذا المعنَى فكلُّ آياتِ القُرآنِ مُحكَمَةٌ. ومثله قوله تعالى: ? تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ? عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.

والْإِحْكَامُ أصلاً: هُوَ الْفَصْلُ وَالتَّمْيِيزُ وَالْفَرْقُ وَالتَّحْدِيدُ الَّذِي بِهِ يَتَحَقَّقُ الشَّيْءُ وَيَحْصُلُ إتْقَانُهُ؛ وَلِهَذَا دَخَلَ فِيهِ مَعْنَى الْمَنْعِ، فَالْمَنْعُ جُزْءُ مَعْنَاهُ لا جَمِيعُ مَعْنَاهُ. وهو في القرآن أربعة أضرب: الأوَّلُ: هذا المذكُورُ.

الثاني: الْإِحْكَامَ فِي التَّنْزِيلِ: فَيَكُونُ فِي مُقَابَلَتِهِ مَا يُلْقِيهِ الشَّيْطَانُ قال تعالى: ? وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ? (الحج: 52). قال ابن عاشور: "ومعنَى إلقاءِ الشَّيطانِ في أُمنِيَةِ النَّبِيِّ والرَّسُولِ:إلقاءُ مَا يضادُّها، كَمن يَمكُرُ فَيُلقِي السُّمّ في الدَّسم، فإلقاء الشَّيطانِ بوسوَسَتِهِ: أن يأمُرَ النَّاسَ بالتَّكذيبِ والعِصيانِ، ويُلقِي في قلوب أئمَّةِ الكُفرِ مَطَاعِنَ يَبثُّونَهَا في قَومِهِم، ويرَوِّجَ الشُّبُهَاتِ بإلقاءِ الشُّكُوكِ التي تَصرِفُ نظَرَ العقلِ عن تَذَكُّرِ البُرهانِ، والله تعالى يُعيد الإرشاد ويكرِّرُ الهدي على لسانِ النَّبِيِّ، ويَفضَحُ وساوِسَ الشَّيطَانِ وسُوءَ فعلِهِ بالبيانِ الواضِحِ، ويزيدُ آياتِ دعوةِ رُسُلِهِ بيانَاً، وذلك هو إحكامُ آياته، أي: تحقيقُهَا وتثبيتُ مَدلُولِهَا وَتوضِيحُهَا بما لا شُبهَة بعدَهُ إلا لمن رِينَ على قَلبِهِ"

الثالث: الْإِحْكَامُ فِي إبْقَاءِ التَّنْزِيلِ: فَيَكُونُ فِي مُقَابَلَتِهِ النَّسْخُ، وَهُوَ في اصْطِلَاح المتأخرين: رَفْعِ الحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى وَجْهٍ لَوْلاهُ لَكَانَ ثَابِتًا مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهِ، أَوْ يُقَالُ: - وَهُوَ أَشْبَهُ بِقَوْلِ السَّلَفِ - كَانُوا يُسَمُّونَ كُلَّ رَفْعٍ نَسْخاً سَوَاءٌ كَانَ رَفْعَ حُكْمٍ أَوْ رَفْعَ دَلَالَةٍ ظَاهِرَةٍ. ولهذا قال ابن عباس: "الْمُحكَمُ: النَّاسخ، وَالْمُتَشابِهُ: الْمَنْسُوخُ ". أخرجه ابن جرير.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ سَمِعَ النَّصَّ الَّذِي قَدْ رُفِعَ حُكْمُهُ أَوْ دَلَالَةً لَهُ فَإِنَّهُ يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِي تِلْكَ التِّلَاوَةِ اتِّبَاعَ ذَلِكَ الْمَنْسُوخِ، فَيُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ بِالنَّاسِخِ الَّذِي بِهِ يَحْصُلُ رَفْعُ الْحُكْمِ وَبَيَانُ الْمُرَادِ.

وَعَلَى هَذَا فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: الْمُحْكَمُ وَالْمَنْسُوخُ، كَمَا يُقَالُ: الْمُحْكَمُ وَالْمُتَشَابِهُ.

الرابع: الْإِحْكَامُ فِي التَّأْوِيلِ وَالْمَعْنَى: وَهُوَ تَمْيِيزُ الْحَقِيقَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ غَيْرِهَا حَتَّى لَا تَشْتَبِهَ بِغَيْرِهَا فَيَكُونُ فِي مُقَابَلَتِهِ الْتَّشَابُهُ. ا. هـ مختصراً من «الإكليل في المتشابه والتأويل».

ـ[مصطفى سعيد]ــــــــ[20 - 08 - 07, 12:52 ص]ـ

كلام ابن عاشور:قال ابن عاشور: "ومعنَى إلقاءِ الشَّيطانِ في أُمنِيَةِ النَّبِيِّ والرَّسُولِ:إلقاءُ مَا يضادُّها، كَمن يَمكُرُ فَيُلقِي السُّمّ في الدَّسم، فإلقاء الشَّيطانِ بوسوَسَتِهِ: أن يأمُرَ النَّاسَ بالتَّكذيبِ والعِصيانِ، ويُلقِي في قلوب أئمَّةِ الكُفرِ مَطَاعِنَ يَبثُّونَهَا في قَومِهِم، ويرَوِّجَ الشُّبُهَاتِ بإلقاءِ الشُّكُوكِ التي تَصرِفُ نظَرَ العقلِ عن تَذَكُّرِ البُرهانِ، والله تعالى يُعيد الإرشاد ويكرِّرُ الهدي على لسانِ النَّبِيِّ، ويَفضَحُ وساوِسَ الشَّيطَانِ وسُوءَ فعلِهِ بالبيانِ الواضِحِ، ويزيدُ آياتِ دعوةِ رُسُلِهِ بيانَاً، وذلك هو إحكامُ آياته، أي: تحقيقُهَا وتثبيتُ مَدلُولِهَا وَتوضِيحُهَا بما لا شُبهَة بعدَهُ إلا لمن رِينَ على قَلبِهِ" ...

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير