تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

دلّت غير واحدة من الآيات القرآنية على أنّ القرآن مشتمل على الاَمثال، وأنّه سبحانه ضرب بها مثلاً للناس للتفكير والعبرة، قال سبحانه: (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لايبصرون صم بكم عمي فهم لايرجعون) .. وقال سبحانه (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم) .. وقوله: (لَوْ أَنْزَلْنا هذا الْقُرآنَ عَلى جَبلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصدّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الاََمْثالُ نَضْربُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفكَّرون).وقوله سبحانه. (وتلك الامثال نضربها للناس ومايعقلها الا العالمون) .. وقد حازت الاَمثال القرآنية على اهتمام المفسرين، فذكروا حولها الأسرار البلاغية،والبيانية،والاعجاز الذي تحويه في المثل قال حمزة بن الحسن الاصبهاني (المتوفّى عام 351هـ): لضرب العرب الاَمثال واستحضار العلماء النظائر، شأن ليس بالخفي في إبراز خفيّات الدقائق ورفع الاَستار عن الحقائق، تريك المتخيَّل في صورة المتحقق، والمتوهَّم في معرض المتيقن، والغائب كأنّه مشاهد، وفي ضرب الاَمثال تبكيت للخصم الشديد الخصومة، وقمع لسَورة الجامح الاَبيّ، فإنّه يوَثر في القلوب مالا يوَثّر وصف الشيء في نفسه ولذلك أكثر الله تعالى في كتابه وفي سائر كتبه الاَمثال، ومن سور الاِنجيل سورة تسمّى سورة الاَمثال وفشت في كلام النبي (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) وكلام الاَنبياء والحكماء.

وقال الاِمام أبو الحسن الماوردي (المتوفّى عام 450هـ): من أعظم علم القرآن علم أمثاله، والنّاس في غفلة عنه لاشتغالهم بالاَمثال، وإغفالهم الممثَّلات، والمثل بلا ممثَّل كالفرس بلا لجام والناقة بلا زمام. وقال الزمخشري (المتوفّى عام 538هـ) في تفسير قوله سبحانه: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) وضرب العرب الاَمثال واستحضار العلماء المثل والنظائر، إلى آخر ما نقلناه عن الاصبهاني. . وقال الرازي (المتوفّى عام 606هـ): "إن المقصود من ضرب الاَمثال

انّها توَثر في القلوب ما لا يوَثره وصف الشيء في نفسه، وذلك لاَنّ الغرض في المثل تشبيه الخفى بالجلي، والغائب بالشاهد، فيتأكد الوقوف على ماهيته، ويصير الحس مطابقاً للعقل،وذلك في نهاية الاِيضاح، ألا ترى أنّ الترغيب إذا وقع في الاِيمان مجرّداً عن ضرب مثل له لم يتأكد وقوعه في القلب كما يتأكد وقوعه إذا مُثّل بالنور، وإذا زهد في الكفر بمجرّد الذكر لم يتأكد قبحه في العقول، كما يتأكد إذا مثل بالظلمة، وإذا أخبر بضعف أمر من الاَُمور وضرب مثله بنسج العنكبوت كان ذلك أبلغ في تقرير صورته من الاِخبار بضعفه مجرّداً، ولهذا أكثر الله تعالى في كتابه المبين، وفي سائر كتبه أمثاله، قال تعالى: (وَتِلْكَ الاََمْثال نَضْرِبها لِلنّاس) وقال الشيخ عزالدين عبدالسلام (المتوفّى عام 660هـ): إنّما ضرب الله الاَمثال في القرآن، تذكيراً ووعظاً، فما اشتمل منها على تفاوت في ثواب، أو على إحباط عمل، أو على مدح أو ذم أو نحوه، فإنّه يدل على الاحكام.

وقال الزركشى (المتوفّى عام 794هـ): وفي ضرب الاَمثال من تقرير المقصود مالا يخفى، إذ الغرض من المثل تشبيه الخفى بالجلى، والشاهد بالغائب، فالمرغب في الاِيمان مثلاً، إذا مثّل له بالنور تأكّد في قلبه المقصود، والمزهَّد في الكفر إذا مثل له بالظلمة تأكد قبحه في نفسه وفيه أيضاً تبكيت الخصم، وقد أكثر الله تعالى في القرآن، وفي سائر كتبه من الاَمثال.

والله الموفق الى الفهم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير