الثالث: أبو عبيدة معمر بن المثنى (ت 209هـ) ذكر تخريجات مجازية عديدة في كتابه (مجاز القرآن) وهذه الصور المجازية لا تنطبق إلا على المجاز الذي هو قسيم الحقيقة، كما نقل عنه القول بالاستعارة في التعليق على شعر جرير ورد ذلك في كتاب (النقائض بين جرير والفردق).
الرابع: أبو عبد الله بن زياد ابن الأعرابي (ت 231هـ) شرح الاستعارة الموجودة في بيت شعر ونقل ذلك ابن رشيق في كتابه (العمدة).
الخامس: أحمد بن يحيى المعروف بـ (ثعلب) (ت 291هـ) أكثر من ذكر الاستعارة في كتابه (قواعد الشعر) محللا لها ومشيراً إلى المعنى الأصلي الخارجة عنه.
السادس: أبو تمام حبيب بن أوس الطائي (ت 231 هـ) الشاعر المشهور قال:
لقد تركتني كأسها وحقيقيتي مجاز وصبح من يقيني كالظن
قال الدكتور العماري تعليقا على هذا البيت:
» وأستطيع أن أؤكد أن هذا الاصطلاح: (المجاز) كان معروفا من زمن بعيد، ذلك أن الشعراء ليسوا من أرباب وضع المصطلحات، كما لا يمكن أن يقولوا ما ليس معروفا عند الناس. فلابد أن تكون كلمة (مجاز) المقابلة للحقيقة معروفة مشهورة حتى يستعملها شاعر لم يعرف عنه أنه عني بالدراسات النحوية التي كانت سائدة في عصره «أ. هـ (المجاز) للدكتور العماري ص 25، (المجاز) للدكتور المطعني ص 714 يقول د. المطعني بعد أن بين خطأ الركيزة الأولى لابن تيمية:
» ها نحن أولاء قد فرغنا من الرد على الإمام ابن تيمية في الشبهة الأولى من مجموع الشبه التي بني عليها رأيه في نفي المجاز عن اللغة، وعن القرآن الكريم، وهي: أن أحداً من سلف الأمة لم يقل به؟ قد واجهناه بنقيض دعواه. وبينا أن ثلاثة من الأئمة الفقهاء، وهم الإمام الشافعي، والإمام أبو حنيفة، ومعه صاحباه، والإمام أحمد ابن حنبل قد روى الرواة الثقات أنهم قالوا بالمجاز، وتكرر ذلك منهم، والإمام ابن تيمية يعترف بما ورد عن الإمام أحمد، ولكنه سلك فيه مسلكين:
أحدهما: تضعيف الرواية القوية، وتقوية الرواية الضعيفة الموافقة لمذهبه.
الثاني: تأويل قول الإمام بما يخرجه عن الاحتجاج به عليه على فرض صحته عنده.
كما رأينا كثيراً من اللغويين والنحاة والأدباء والنقاد والبلاغيين والإعجازيين، والمفسرين والمحدثين، والأصوليين والفقهاء قد قالوا بالمجاز، وتوسع بعضهم فيه، ونقلنا عن أبي عبيدة، وابن الأعرابي وأبي عمرو بن العلاء وثعلب نصوصا صريحة تدفع دعواه هو في نفي المجاز «أ. هـ (المجاز) ص 715.
الشبهة الثانية للإمام ابن تيمية:
أنكر ابن تيمية أن يكون للألفاظ وضع أول يدل على معنى معين لكل منها ثم استعملت الألفاظ في معانيها بعد ذلك ويذهب إلى أن كل لفظ قد استعمل ابتداء فما أريد منه دون أن يتقدم وضع سابق ثم حاول أن يقدم تفسيراً مقنعا لذلك فقال: أن أصل اللغة إلهام من الله سبحانه ثم كان النطق بالألفاظ مباشرة مستعملة فيما أريد منها.
كل ذلك لأنه رأى مجوزي المجاز يقولون: إن المجاز ما نقلت فيه الكلمة من المعنى الوضعي فاستعملت في المعنى غير الوضعي وهذا النقل هو أهم ركن من أركان المجاز.
والرد على ذلك:
1 - أطبق علماء الأمة في كل زمان ومكان وفي كل فرع من فروع علم اللغة: قواعد وتطبيقات على أن جميع الألفاظ لكل منها وضع أول ويدل على معنى معين. وفكرة المعاجم اللغوية – كما يقول د. المطعني- إنما نشأت لجمع الألفاظ اللغوية والوقوف على مدلولاتها التي كان عليها الحال عند العرب الخلص … وهذه المفردات اللغوية ومعناها العام المتعارف هو ما عرف بالدلالة الوضعية.
2 - أن البحث العلمي الحديث قد ضعّف تفسير نشأة اللغة بالإلهام ولم يوافق عليه. بل صفوة القول في ذلك أن هناك ثلاث نظريات تفسر نشأة اللغة:
أ) التوقيف من الله سبحانه، واحتجوا بقوله سبحانه:} وعلّم آدم الأسماء كلها {.
ب) الاصطلاح والمواضعة، وفسروا الآية السابقة على أن الله أقدر آدم عليه السلام على وضع الأسماء.
ج) المحاكاة والتقليد يقول السيوطي» وذهب قوم إلى أن أصل اللغات كلها إنما هو من الأصوات المسموعات كدوى الريح وجنين الرعد وخرير الماء وشجيج الحمار ونعيق الغراب وصهيل الفرس ونزيب الظبي ونحو ذلك، ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد «ويعلق ابن جنى على هذا المذهب فيقول:» وهذا عندي وجه صالح ومذهب متقبل «انظر المجاز للدكتور المطعني ص 735.
¥