قلت: وفي قصة ابني آدم التي حكاها القرآن ما يشير إلى اعتماد هذا الطريق في التعليم} فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخية … {الآية 31 من سورة المائدة وهذه النظرية هي التي يكاد يجزم بصحتها الباحثون المعاصرون في علوم اللغة. وانظر ما ذكره د. علي عبد الواحد وافي في كتابيه: (علم اللغة)، (نشأة اللغة عند الإنسان والطفل).
يتبع إن شاء الله
ـ[عبدالله الغالبي]ــــــــ[17 - 04 - 06, 09:00 م]ـ
3 - الوضع والاستعمال متلازمان:
يقول د. المطعني تحت هذا العنوان:
» وما يوهن دعوى الإمام ابن تيمية أن قوله بالإلهام لا يؤدي إلى إنكار الوضع، وأن قوله بالاستعمال لا ينافي الوضع. بل أن الوضع ملازم لكل مذهب قيل به في أصل اللغات. لأن المراد بالوضع هو النطق أول مرة باللفظة دالا على معناه سواء كان مصدره الإلهام أو المحاكاة أو التوقيف.
والخروج عن الدلالة الأولى للألفاظ مستساغ ومعقول. فبعد أن يستقر استعمال الكلمة في معناها الذي كانت هي من أجله يقع فيها التصرف باستعمالها في دلالة أخرى هي الدلالة المجازية. فسواء كان مصدر نشأة اللغة توقيفا كما يقول ابن فارس وغيره، أو مواضعة كما يرى ابن جنى وآخرون أو إلهاما كما يؤكد ابن تيمية أو محاكاة كما يرى قوم أو غريزة زود بها النوع الإنساني كما يذهب بعض المحدثين فإن الوضع ملازم لهذه الفروض كلها، لأن الوضع هو ورود اللفظ لأول مرة دالا على المراد منه.
وتلازم الوضع للاستعمال مثل تلازم الحياة للحي. ويستحيل استعمال لفظ بمعزل عن اللفظ نفسه، كما يستحيل وضع لفظ بمعزل عن الاستعمال لأن الواضع يضع اللفظ ويعينه للدلالة على معنى. وتصور وضع لفظ دون أن تكون حقيقة معناه ومسماه ماثلة في ذهن الواضع مستحيل مستحيل.
فاالإمام ابن تيمية- مثلا- يرى أن أصل اللغة إلهام واستعمال لا وضع متقدم على الاستعمال. فحين ألهم الله الإنسان أن يستعمل كلمة (بحر) فلابد من أحد أمرين لصحة هذا الاستعمال؟
أحدهما: رؤية مجتمع الماء عيانا حين الاستعمال.
والثاني: تخيل تلك الصورة إذا لم تكن حاضرة مرئية. وفي كلتا الحالتين فكلمة بحر اخترعت مقرونة بالاستعمال إما حسا وإما معنى. ومستحيل أن تخترع كلمة (بحر) أو توضع وليس في ذهن الواضع أو المخترع تصور لمسماها.
وهذا المثال صالح للتطبيق على كل النظريات المفروضة في أصل اللغات. فلا مناص من التسليم بالوضع إذن. فالوضع ملازم لكل نظرية، وللاستعمال. لأن اللغة مظهر خارجي وليست فعلا من أفعال النفس يظل مكتوما بين طواياها.
فليكن الاستعمال ولا وضع كما يرى ابن تيمية. ولكن المجاز جائز ومستساغ حتى مع نفي الوضع وفرض الاستعمال.
فالكلمة في أول استعمال لها حقيقة. وحين تستعمل استعمالا ثانيا بينه وبين الاستعمال الأول صلة معتبرة، ووجدت في السياق قرينة ترجح أو توجب الأخذ بمعنى الاستعمال الثاني دون الأول كان المجاز لا محالة «أ. هـ المجاز ص 742 - 743.
الشبهة الثالثة لابن تيمية:
نفى أثر الإضافة في تحقيق المجاز فقال غفر الله له:
1 - أن كل الألفاظ في اللغة لم ترد إلا مقيدة بقيود وقرائن توضح المعنى المراد منها. فادعاء علماء اللغة ورود الألفاظ مجردة أو أنها بدون أية قرائن أو قيود تفيد معنى وبالتالي يكون المجرد منها حقيقة والمقيد بالقرائن مجاز هو خطأ غير معلوم من اللغة بل هو محال.
2 - التسوية بين الإضافات المختلفة لأي لفظ، وقال بأنه ليس هناك إضافة لما حق اللفظ أن يضاف إليه وإضافة إلى ما ليس حق اللفظ أن يضاف إليه.
وهو في الحالتين ينكر رحمه الله ظاهرة تبادر المعنى الحقيقي للألفاظ عند سماعها مجردة من القرائن الصارفة عن هذا المعنى،.
والرد على ذلك:
1 - إنكاره ـ رحمه الله ـ للتجريد في الألفاظ يخالف نص القرآن الكريم:} وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين {الآية 31 من سورة البقرة ويخالف ما قرره العلماء والباحثون في أصول اللغة قديماً وحديثاً من أن أسماء الذوات وهي الألفاظ الدالة على الأشياء مثل: أرض-سماء-بحر- فرس- إنسان .. إلخ هي بداية تعلم اللغة وحين نطق الإنسان الأول بهذه الأسماء فمن المؤكد أنه نطق بها مجردة قاصدا بها الدلالة على الصورة المتكاملة – سمعية بصرية حسية- كما هي مختزنة في خياله على ما شرحه د. أحمد عكاشة، ولم
¥