ويمكن الرجوع في هذه النقطة (المقارنة بين الاشتراك والمجاز) إلى كتاب (المحكم والمتشابه) للدكتور إبراهيم عبد الرحمن ص 539 فما بعدها وكذا إلى كتب أصول الفقه.
4 - أن إثبات المجاز في اللغة لم يستند إلى التجرد المحض في الألفاظ يقول الدكتور المطعني:
» … فمن قال بوقوع المجاز في اللغة لم يذهب إلى التجرد المحض في الألفاظ حتى يكون المقيد منها مجازاً والمجرد حقيقة، وإنما أراد بالتجرد: التجرد من قيود خاصة إذا وجدت وجد المجاز وإذا خلا الكلام منها كان الكلام حقيقة «يشير العلامة بذلك إلى القرينة الدالة على المجاز وكذا العلاقة. وهذه القرينة عند علماء البيان مانعة قطعاً من إرادة المعنى الحقيقي، مثل (رأيت أسداً يرمى بالنشاب) فإن الحيوان المعروف لا يرمى بالنشاب، ومثل:
ومن عجب أن الصوارم والقنا تحيض بأيدي القوم وهي ذكور
فإن (الحيض) لغة لم يستعمل إلا في الدم السائل من أرحام النساء، فهذا التعبير استعارة ومجاز والعلاقة إما اللون وإما مطلق السيلان.
وهذه القرائن منها لفظية لها صورا في الكلام، ومنها حالية معنوية ليس لها صورة في الكلام بل تدرك من الأحوال التي عليها المتكلم.
ومصادر القرينة هي اللغة أو الشرع أو العقل أو العادة والعرف أو الحس والمشاهدة.
وقد توسع العلامة د. المطعني في شرح القرائن الدالة على المجاز وكذا الإضافات وضرب أمثلة قاطعة منها:
قد رابني وهن المنى وانقابضها وبسط جديد اليأس كفيه في صدري
يقول د. المطعني:» وقد جعل الشاعر لليأس كفين وجعله ممسكا به يكاد يخنق أنفاسه ويحطم عظام صدره «وكما نعلم فاليأس ليس له كفان ولا هو جسم من الأجسام ولكنه كما يقول الإمام عبد القاهر الجرجاني:» … لما أراد له ذلك جعل لليأس كفين واستعارهما له «فهل يستطيع الإمام ابن تيمية أن يقول أن إضافة الكفين إلى اليأس حقيقة! وهل هي نفس الإضافة في الأثر الذي رواه البخاري عن سلمة بن الأكوع» … فأخرج كفاً له ضخمة كأنها كف بعير … «حديث (973) الأدب المفرد.
فهل إضافة الكف إلى سلمة أو إلى البعير في هذا الخبر كإضافة الكفين إلى اليأس؟! أم أن الشاعر قد صور المعنى الذي يريد نقله في أقصر عبارة بحيث يجذب السامع ويلفت انتباهه؟ يقول أبو هلال العسكري: (وفضل هذه الاستعارة وما شاكلها على الحقيقة أنها تفعل في نفس السامع مالا تفعل الحقيقة) أ. هـ المجاز 269 للدكتور المطعني ..
وأنواع المجاز أربعة:
1 - العقلي. 2 - المرسل. 3 - الاستعارة المفردة. 4 - الاستعارة التركيبية.
وأركان المجاز أربعة أيضاً:
1 - المعنى الأصلي (الحقيقي) للفظ.
2 - المعنى الثاني (المجازي) للفظ.
3 - القرينة الدالة على منع إرادة المعنى الأصلي (الحقيقي).
4 - العلاقة المعتبرة بين المعنى الأصلي (الحقيقي) والمعنى الثاني (المجازي).
ولكن هل المعنى المجازي لأي لفظ يجب أن يكون منقولا عن العرب؟ يقول الإمام عبد الوهاب السبكي:» فإن قلت إنما يكون من اللغة المجاز الذي تكلمت به العرب. قلت: تقدم أنه لا يشترط النقل في الآحاد وأن استعمال العرب لأصل العلاقة كاف في نسبة المجاز لها «كتاب رفع الحاجب 1/ 411 وذلك لأن الصور المجازية هي من إبداع خيال الشعراء والبلغاء وغير مقيدة بأن يكون غيرهم قد سبقهم إلى استخدام نفس هذا اللفظ في هذه الصورة وإلا لم يكن هناك إبداع. بل ما نقلته الأمة كلها عن العرب الخلّص هو استخدام اللفظ في هذا الموضع بغير قيود وفي موضع آخر يصنعون قيداً (قرينة تمنع إرادة المعنى الحقيقي) في وجود علاقة بين المعنى الحقيقي وبين المعنى الجديد (المجازي).
مثال ذلك إذا قال أحدهم: (رأيت أسداً كبيراً) وقال آخر (رأيت أسداً يرمى بالنشاب) فلا يشك السامع أن الأول رأى الحيوان المعروف لعدم وجود صارف عن ذلك وأن الآخر رأى رجلا شجاعاً يرمي بالنشاب.
ويقول العلامة صدر الشريعة الحنفي:» واعلم أنه يعتبر السماع في أنواع العلاقات لا في أفرادها فإن إبداع الاستعارات اللطيفة من فنون البلاغة «.
يقول الإمام سعد الدين التفتازاني شارحا ذلك:» يعني أن المعتبر في المجاز وجود العلاقة المعلوم اعتبار نوعها في استعمالات العرب، ولا يشترط اعتبارها بشخصها حتى يلزم في آحاد المجازات أن تنقل بأعيانها عن أهل اللغة.
¥