تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إذن هذا الاعتراض يقوي نظرية ابن تيمية .. ولا يقوضها .... فالرجوع الى الخارج اي الى "نفس الامر" ... لا نجد الا الاستعمال الذى نوظف به الكلمات" القديمة "ونضع به الكلمات" الجديدة" ... اما الوضع السابق للاستعمال ... فلا يشهد له الا التقدير الذهني ..... وقد قلنا آنفا انه لا سبيل الى البرهنة عليه ...

قال -رضي الله عنه-فى الايمان الكبير: نعم قد يضع الناس الاسم لما يحدث مما لم يكن من قبلهم يعرفه فيسميه كما يولد لأحدهم ولد فيسميه اسما إما منقولا واما مرتجلا وقد يكون المسمى واحدا لم يصطلح مع غيره وقد يستوون فيما يسمونه وكذلك قد يحدث للرجل آلة من صناعة أو يصنف كتابا أو يبنى مدينة ونحو ذلك فيسمى ذلك باسم لأنه ليس من الأجناس المعروفة حتى يكون له اسم فى اللغة العامة ....

فلا مجال للتشغيب عليه ... فالرجل واع بامكان الاصطلاح بين الناس ... ويقر به .. ويقبله ... وهذه الوظيفة اللغوية .. هي التي سماها علماء اللغة المعاصرون .. "الوظيفة الميتا لغوية "وادرجوها ضمن وظائف اخرى كالوظيفة الانفعالية والتعبيرية .. واللغوية (بالسكون) والاحالية .. (ينظر مثلا ما كتبه رومان ياكبسون .. احد الشكلانيين البنيويين .... )

انظر الى قوله: فيسميه اسما ... اي يستعمل اللغة ليفهم الناس ان ابنه منذ اليوم يسمى زيد .. او بكر ...

لكن اين هذا من ذاك .. فالوضع الاولي ثبتت به اللغة .. الوضع الميتالغوي ثبت باللغة ... فليتأمل ..

والآن نصل الى منعرج حاسم في نظرية ابن تيمية اللغوية .. فالجزم بالاستعمال ... وحده ... وعدم التعويل على فرضية الوضع .... يفضي لا محالة ... الى اعادة النظر فى طبيعة اللغة ... فلن يعود تعريف ابن جني مقبولا عند ما قال: أمّا حدّها فإنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم ...

بل حتى القول بأنها كلمات ... حد قاصر ...

وليس الصواب الا ان نقول "اللغة جمل .... وتراكيب"

لماذا ذلك؟ ...

لان الناس فى استعمالهم اليومي .... يتخاطبون بالتراكيب لا بالاصوات ...

قال ابن القيم -رضي الله عنه-:

الوجه التاسع عشر: انكم فرقتم ايضا بينهما ان المجاز ما يتبادر غيره الى الذهن فالمدلول ان تبادر الى الذهن عند الاطلاق كان حقيقة وكان غيرالمتبادر مجازا .. فإن الاسد اذا اطلق تبادر منه الحيوان المفترس دون الرجل الشجاع ... فهذا الفرق مبنى على دعوى باطلة وهو تجريد اللفظ عن القرائن بالكلية والنطق به وحده .. وحينئذ فيتبادر منه الحقيقة عند التجرد ... وهذا الفرض هو الذي اوقعكم فى الوهم .... فإن اللفظ بدون القيد والتركيب بمنزلة الاصوات التي ينعق بها .. لا تفيد فائدة وانما يفيد تركيبه مع غيره تركيبا اسناديا يصح السكوت عليه ... "

لله دره ... كأن ابن القيم تبعا لشيخه ... يقرر ان الوحدة الاولى فى اللغة هي الجملة .. وما قبل الجملة ... اصوات ينعق بها .... ك"غاق" ... فيكون المسلمون قد سبقوا "شومسكي" وامثاله .... الى اعتبار اللغة ... تراكيب وان القدرة اللغوية الانسانية هي قدرة على انتاج عدد لا نهائي من الجمل ...

ومن ثم ظهر ضعف حد ابن جني .. عندما ارجع اللغة الى الاصوات ...

فمن المؤكد ان" حمحمة "الفرس .. و"غاق" الغراب ... ليس من قبيل اللغة ...

فإن قيل ... لكن تلك التراكيب أليست مكونة من "اصوات" و"كلمات"

... أليس البسيط متقدما على المركب؟؟

قلنا بلى .... بشرط ان نتبنى التحليل المنطقي ... ذلك التحليل المهووس بارجاع كل شيء الى الماهيات المجردة ... وقد مر ان الشأن مناط ليس بتقدير المنطق الذهني بل ... بما هو موجود فى الخارج .. فلتكن الجمل من الكلمات ولتكن الكلمات من الاصوات ولكن الناس فى تدوالهم اليومي ... لا يقولون ... "عندى اصوات اريد ان اوصلها الى سمعك"

وحتى عندما يقولون "هل تسمح لى بكلمة" ... فهم يقصدون "جملة" ...

هذا الاعتراض على التصور المنطقي وجيه ... فإن كان لا بد من ارجاع المركب الى البسيط ..... فلم الوقوف عند حدود الصوت ... اليس هو نفسه مركب .... من تموجات وذبذبات ... أفتكون اللغة فى نهاية المطاف ..

ذرات والكترونات ..... ؟؟؟؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير