- استئناف بيانيّ:وهو الذي تكون فيه الجملة المستأنفة لبيان معنى سابق في الكلام المتقدّم؛ فهي مستقلة بنفسها في الإعراب، مرتبطة بما قبلها في المعنى؛ فتكون بمثابة ردّ على سؤال مقدّر؛ وذلك نحو: " لا تصاحبْ فلاناً يخذُلُك " - بالرّفع - فكأنّه سُئل: لماذا لا أصاحبه؟ فقيل: يخذلُك.
- واستئناف غير بيانيّ: وهو الذي لا يكون فيه بين الجملة المستأنفة وما قبلها صلة معنوية ولا إعرابية؛ فهي مستقلة بنفسها، منقطعة عما قبلها إعراباً ومعنى؛ وذلك نحو: " لا تتهاونْ في الصلاة،يرحمُنا ويرحمُك الله ". وقد يُقصد بالفعل الواقع بعد الطلب الوصف - إذا أردنا أنْ نصف مجهولاً يتضح بتخصيصه - فيكون قبل الفعل عندئذ نكرة يصح وصفها به، ويكون الفعل متصلاً بما قبله، لأنَّ الصفة مرتبطة بالموصوف؛ وذلك نحو: " لا تتركْ طفلاً يبكي"؛ أي: لا تتركْ طفلاً باكياً؛ أي: لا تتركْ طفلاً صفته كذا.
وقد يقصد به الحال إذا كان ما قبله معرفة، ويكون الفعل - أيضاً - متصلاً بما قبله؛ لأنّ الحال مرتبطة بصاحبها؛ وذلك نحو: " لا تتركْ الطفلَ يبكي "؛ أي: لا تتركْ الطفلَ على هذه الحالة. وهذا التركيب صالح - أيضاً - لأنْ يكون على معنى القطع والاستئناف، وعندئذٍ يكون الفعل المضارع منقطعاً عمَّا قبله، كأنه قطع الكلام ثم بدا له أنْ يستأنفه.
ويجوز فيه الجزم على مذهب الكوفيين والكسائي إذا قُصِدَ معنى الجواب وترتَّب الكلام بعضه على بعض؛ أي: لا تتركْ الطفلَ إنْ تتركْه يبكِ،فكأنَّه نهاه ثم بيّن له ما يترتَّب على تركه، وجاز ذلك لوجود قرينة معنوية، وهو غير جائز على مذهب الجمهور، لاشتراطهم تقدير "لا" بعد " إنْ " في جملة الشرط المقدَّرة، فلا يستقيم المعنى بتقديرها إلا على معنًى آخر.
وقد يُقصَد بالفعل الواقع بعد الطلب بيانُ السبب الذي نهاه عن هذا الفعل أو أمَرَه به من أجله، فعندئذٍ يكون إدخال فاء السببيَّة والنَّصب؛ أي: لا تتركْ الطفلَ فيبكي، فالبكاء متسبّب عن الترك، وكلّ هذه الأوضاع للفعل يحدِّدها المعنى الذي قصده المتكلم. والفرقُ - في حالة الرفع - بين الاستئناف، والوصف ,والحال أنَّ الفعل في الاستئناف يكون منقطعاً عمَّا قبله، فكأننا توقفنا وقطعنا الكلام السابق، ثمَّ بدا لنا أنْ نستأنف الحديث، فنقف وقفةً لطيفةً على ما قبل الفعل، ويتّضح هذا الأمر في المحادثة الشفهية، إذا كان المتحدِّث ممَّن يُحْسِن التعبير عن المعاني المختلفة بالأداء المناسب لكلّ معنًى، فنبرة الصوت لها أثرٌ في إبلاغ المعاني المرادة، وهو أمرٌ قد يُغفله الكثيرون رغم أهميته البالغة، لذا يجب أنْ يُدَرَّب النّاشئة على الخطابة والإلقاء، وأداء المعاني المختلفة أداءً صحيحاً معبّراً عن المعنى المراد، فالأداء الصحيح من أهم مقومات الخطابة الجيدة، والإلقاء المتميز.
أمّا في الوصف والحال فالفعل متصل بما قبله، والكلام يجب أنْ يكون متتابعاً؛ لما بين الصفة والموصوف، والحال وصاحبها من تلازم وارتباط قويّ.
والفرق بين الوصف والحال أنَّ الوصف يسبقه نكرة، والحال يسبقه معرفة.
وإنْ كنَّا نتعامل مع نصوص مكتوبة، فسنلاحظ أنَّ القرائن المعنوية ستوجِّه الذهن إلى أنَّ الفعل الواقع بعد الطلب يقوى فيه معنًى على المعاني الأخرى الجائزة، ومنها ما يمتنع فيه معنى، وتجوز فيه المعاني الأخرى على تفاوت في الجواز.
فممَّا يقوى فيه الجزم على الجواب من الآيات الكريمة قوله تعالى: ? وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذعِ النَّخْلَةِ تُسَاقطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ? (95) بجزم
" ُتساقطْ "على جواب الطلب؛ وذلك أنَّ الله أمرها بهزّ الجذع اليابس لترى آية أخرى في إحياء موات الجذع (96)، فالتساقط مترتّب على هزّ الجذع؛ أي: إنْ تهزّي ُتساقطْ، وليس المقصود وصف النخلة بأنها نخلة تساقط رطباً - ولا يتأتى ذلك فيها؛لأن الفعل مسبوق بمعرفة - وليس المقصود بيان حال النخلة عند هزِّها، ولا استئناف الكلام والإخبار بأنَّ النخلة تُساقطُ رطباً، لذلك فالقراءة المتواترة بالجزم، وعليها القراء السبعة، ولم تردْ قراءة بالرفع - فيما أعلم.
وهو شبيه بقولك: افتحِ الصنبور ينهمرْ ماؤه، واضغطِ الزرَّ يُضأ المصباحُ، وأدرِ المِفتاحَ يُفتحِ البابَ. ومثله في القرآن كثير (97)
¥