ـ[أبو خباب المكى]ــــــــ[07 - 01 - 09, 07:09 ص]ـ
الجدالُ في الحجِّ السكون والطمأنينة والرفق من الإخبات الذي هو منزلة من منازل السائرين في مقامات العبودية، وفي آيات الحج: (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) والصبر على ما يصيب الإنسان من غيره فلا يرتكب فاحش الجدل والمراء من الإخبات، ونُهِيَ الحاج عن الرفث قولا وفعلا، وعن الفسوق قولا وفعلا، وعن الجدال بالباطل أو ما يفضي إلى الباطل، وأما الجدال بالحق للحق بالحسنى فلا حرج فيه، وللسلف في الجدال المنهي عنه هنا أقوال، فمنهم من قال: الجدال المحرم: أن تماريَ مسلما حتى تغضبه فيسبَّك، وهذا كثير، ومنهم من قال: المراد: لا جدال في مواضعه وكانوا يتمارون في مواضعه وفي زمانه، وكالجدال في أيامنا هذه في المسعَى، وتوسعته وقد فرغ منه منذ دهر، يجادلون في الحق بعد ما تبين، ولم يجادلوا في توسعة المرمى. وقيل: الجدال: أن تقول طائفة: حجنا أبرُّ من حجكم، وكقول بعضهم اليوم: حَمْلتنا خير من حَمْلتكم، وجدلِهم في ذلك. وقال آخرون من السلف: هو الفخر بالآباء، وكانوا يفاخرون بالآباء والأجداد ولهذا قال الله لهم: (فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) وكفخر الناس اليوم بالأحزاب، والمذاهب، والطوائف، والأجناس.
وقال بعض السلف: الجدال هنا: أن يختلف الناس: أيهم صادف موقف إبراهيم، وأيهم سبق إليه، ويشبه ذلك في عصرنا جدال سائقي الحافلات ِوالمراكب وتنازعهم في السَّبق وإفساح الطريق والوقوف وغير ذلك.
والجدل طبع بشريّ يغلب الإنسان، فالإنسان أكثر المخلوقات جدلا، قال عز وجل: (وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) أي: أكثر الأشياء جدلا، ويجوز أن يكون المعنى: جدله أكثر شيء، والأول أظهر.
فإذا نزع الحاج المتَّقي إلى شيء من ذلك تذكر أمر ربّه فإذا هو مبصر، ولم يتمادَ في جداله ولا في منكر القول ولحنه لأنه حاج، كما يقول الصائم إن سابه أحد أو قاتله: إني صائم.
وكان من رحمة الله سبحانه أن من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، ولم يقل: ولم يجادل؛ لأن الجدَال طبع غالب، كما سبق.
ـ[أبو خباب المكى]ــــــــ[07 - 01 - 09, 07:10 ص]ـ
من لحن المحدِّثين (1)
لا يحيط باللغة العربية إلا نبي، كما قال الشافعي، ولا يسلم من اللحن إلا عُصِم، وقد عقد ابن جني بابا لما لحنت فيه العرب، وما من أحد نطق بالعربية ممن لم تكن العربية ملكة خاصة له، وسليقةً خالصة إلا ولَحَن، ومن ذلك المحدّثون، وللخطابي كتاب سماه (إصلاح غلط المحدثين) ولا يراد بالمحدِّثين هنا الرُّواة الذين نقلوا هذه الأحاديث، بل المراد كل من ينتمي إلى الحديث وإن لم يكن راويا، وجمهور هذه الأخطاء وقع من هذا الصنف .. ومن ذلك:
- في حديث ذي اليدين: (فخرج سَرَعان الناس) بفتح السين والراء، وقيل: بسكونها، قال الخطابي: (والأول) أجود. ومن قال: سِرْعان الناس، بكسر السين فهو لاحن.
- (دوُمة الجندل) بضم الدال، قال ابن دريد: أصحاب الحديث يغلطون فيفتحون الدال.
- قوله صلى الله عليه وسلم: (من قتل معاهدا لم يرَحْ رائحة الجنة) روي لم يَرَحْ، قال أبو عبيد: هو الصواب، بفتح الياء والراء، أي: لم يجد ريحها، وروي بكسر الراء، وروي بكسرها وضم الياء، قال الكسائي: هو الصواب.
- في حديث الأضحية بالجذعة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا تَجْزِي عن أحد بعدك) بفتح التاء، أي: تقضي الواجب عن أحد بعدك، ورواها بعضهم بضم التاء، أي: تكفي، وهو غلط.
- في حديث القبر: (لا دريت ولا تَليت) هكذا يقول المحدثون، قال الخطابي: والصواب: ولا ائتليت، أي: ولا استطعت. ولكن من أهل اللغة من صححه، وقال: أصله: ولا تلوت فقلبت الواو للمزاوجة وإتباعا لقوله: (لا دريت).
- حديث: (من أصبح آمنا في سِربه) قال الخطابي: أجمع المحدثون والنحاة على كسر السين إلا الأخفش فإنه قال: سَربِه، بالفتح، أي: آمنًا في نفسِه.
ـ[أبو خباب المكى]ــــــــ[07 - 01 - 09, 07:11 ص]ـ
من لحن المحدِّثين (2) مما أصلحه المحققون من غلط المحدِّثين روايةُ بعضهم لحديث: (ما أذن الله لشيء كأذَنِه لنبي يتغنى بالقرآن .. ) رواه (كإِذْنه) بكسر الهمزة وسكون الذال، وهو غلط، والرواية الصحيحة بالفتح فيهما و (الأَذَن) بالفتح: الاستماع.
ومن ذلك: حديث (لخلوف فم الصائم) بضم الخاء وحَسْبُ، وفتحها خطأ باتفاق المحققين، قال القاضي عياض: هذه هي الرواية الصحيحة، وكثير من الشيوخ يروونه بفتح الخاء، قال الخطابي: وهو خطأ. ومعناه: تغير رائحة الفم بسبب الصيام.
ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد إلا وله شيطان، قيل: ولك يا رسول الله؟ قال: ولي، إلا أن الله أعانني عليه فأسلمَ) بفتح الميم، والفاعل الشيطان، أي: دخل في الإسلام، ورجحه ابن منظور واستشهد له، أو معناه: انقاد واستسلم وكفّ عن الوسوسة، وعلى هذا عامة الرواة إلا سفيان بن عيينة فإنه يقول: فأسلمُ، على أنه فعل مضارع، والفاعل النبي صلى الله عليه وسلم، وكان سفيان يقول: الشيطان لا يُسْلِم، والرواية الأولى المشهورة هي الصحيحة لأمرين:
أحدهما: أنها الظاهر المتبادر، ويقوي هذا الظاهرَ قوله: (أعانني عليه).
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعده: (فلا يأمرني إلا بخير) والشيطان لا يأمر بخير، بل يأمر بالشر والفحشاء.
قال النووي: قال الخطابي: الصحيح المختار الرفعُ، ورجح القاضي عياض الفتح، وهو المختار، ولكنني لم أجد ترجيح الخطابي في (إصلاح غلط المحدثين) واكتفى بحكاية القولين.
وورد التصريح بإسلامه في مسند البزار بسند ضعيف.
¥