ـ[أبو خباب المكى]ــــــــ[27 - 02 - 09, 06:38 ص]ـ
الصلاة على الميِّت .. !!
الأولَى أن يقول المُنادي لصلاة الخسوف والكسوف: الصَّلاةَ جامعةً بالنصب، وأن يقول لصلاة الجنازة: الصَّلاةَ على الميِّت بالنصب أيضًا. والعلماء يقولون: عن التقدير: احضروا الصلاةَ جامعةً، نُصِب الأول على المفعولية، والثاني على الحالية، والرفع جائز على أنه مبتدأ وخبر، والنّصب لديهم أولَى وأرجح. وكذلك قول المُنادي اليوم الصلاة على الميت، أي: أدّوا الصلاةَ على الميّت؛ لأنه يخاطب مَن حضر، فلا يصح التقدير باحضروا، وإذا نُصب وجب عليه إذا قال: (يرحمكم الله) أن يجزم الفعل؛ لأنه بعد طلب .. واللفظ من أصله غير مأثور، والاجتهاد يسوغه، فهو محدث إضافي له أصل في نظيره .. والخطب في هذا سهل، غير أن إخواننا النحويين فيهم من ابتلي بالعَنتِ، والوسواس، والبحث عن الوجوه والاحتمالات في الألفاظ دون المعاني، وفي مثل هذه المشاهد التي تذكر الآخرة يأتي الشيطان إلى ذوي الإعراب، ويلج عليهم من كل باب، فلا ينصرف من صلاته إلاَّ وقد استتم وجوه الإعراب وشواهدها. وأخبرني صاحب لي أنه صلّى بجانب شيخ له -وسمّاه لي- كان يتعلم عنده ألفية ابن مالك، فلمّا قرأ الإمام في صلاة العشاء آيات بعد سورة الفاتحة، جعل الشيخ وهو قائم يصلّي يعرب المشكل من كلم الآيات بكلام له حرف وصوت، يهمس به همسًا، وهو لا يشعر بما يهذي، وبما يلقيه الشيطان في أمنيّته ليفتنه في صلاته، والشيطان يدخل على كل امرئٍ من بابه وتخصصه الذي برع فيه، أو حاله التي هو عليها، فيدخل عليه الزهو والعجب والغرور، أو يشغله بما هو فيه عمّا هو أهم منه وأولَى، ولابن الجوزي في (تلبيس إبليس)، وابن القيم في (ذم الوسوسة)، والذهبي في (زَغَل العلم) تنكيت بديع بلسان التقريع ومزابر التشنيع في مَن تعبث بهم الوسوسة في كل ريع، ولكل قوم هاد.
ـ[أبو خباب المكى]ــــــــ[27 - 02 - 09, 06:39 ص]ـ
تحريكُ الوسْط .. !!
المقصود بالتحريك هو الفتح كما قال الإمام أبو محمد الشاطبي في حرز الأماني:
وحيثُ جرى التحريكُ غيرَ مقَيَّدٍ
هُو الفتحُ والإسكان آخاه منزِلَا
وهو اصطلاح شائع لدى أهل اللغة وليس خاصًّا به، وكلمة
(الوسط) تسكَّن سينُها وتحرّك، ومعناها في الفتح غير معناها في الإسكان، والناس كثير منهم فيهما ما بين خالط وخابط، وألقَى علينا شيخ كبير قبل أكثر من ربع قرن هذا السؤال: ما الفرق بين قولك: حفرت وسَط الدار بئرا، وقولك: حفرت وسْط الدار بئرا، الأولى بتحريك السين، والثانية بإسكانها؟ وكانت الإجابة: لا فرق؛ لأن الإسكان لغة، وخضنا في إجابات أخرى لم تعجبه، وطلبنا منه الجواب، فقال: (وسَط) بفتح السين: اسم، وأما بالإسكان فظرف، فإذا قلت: حفرت وسط الدار بئرا، أعربت (وسَط) مفعولا به، فهو اسم غير ظرف، ولهذا يخبر به ويخبر عنه، فيقال: هذا وسطُ الدار، ووسط الدار مرتفع و (بئرا) تمييز .. وأما إذا كانت السين ساكنة فإنه يعرب ظرف مكان، والمفعول (بئرا).
ووجدت بعد ذلك هذه المسألة بعينها في كتب اللغة. وفي (تاج العروس) نقل نفيس عن ابن برّي، والليث والصفدي وغيرهم، ونقل نظما حسنا لجمال الدين العقيلي في الفرق بين وسَط ووسْط، وهي هذه:
فرقُ ما بينهم وسَط الشي ءِ ووسْطٍ تحريكا أو تسْكِينا
موضع صالح لِـ (بينَ) فسكّن ولـ (في) حَركَنْ تراه مبينا
كجلستُ وسْط الجماعةِ إذ همْ وَسَطَ الدار كلُّهم جالسينا
ومعنى الأبيات: الفرق بين وسَط الشيء ووسْطه: أنّ كل ما يصلح أن يوضع مكانه (بين) فهو بالسكون، وما يقدّر قبله (في) فهو بالفتح، وأنّ ما كان متفرق الأجزاء يقال فيه (وسْط) بالسكون، كجلست وسط الجماعة، وما كان متصل الأجزاء يقال فيه: (الوسَط) بالفتح، نحو: رأيتهم وسَط المسجد ساجدين.
ـ[أبو خباب المكى]ــــــــ[09 - 07 - 09, 01:10 ص]ـ
الشرشحة
السائل أبو عمر، يقول في سؤاله: هل كلمة الشرشحة وكذلك الفرشخة عربيتان؟ وما أصلهما؟
قال عبد العزيز: هاتان اللفظتان من الألفاظ الشائعة على الألسنة في الحجاز والشام، والحسّ العربي يحكم لهما قبل البحث والتوثيق بالبراءة من العجمة، فالتصريف والصيغة والحرف هي الشواهد الأُوَل على سلامة اللفظ، ولكنني بحثت بتقصٍّ عن (شرشح) في مطوّلات المعاجم فلم أجد لها أثرا ولا عِثيرا، وخشيت أن لا أظفر بها في كتاب (تكملة المعاجم) فكان ما خشيت منه، ولم أجد فيه إلا قوله: (شرشوحة سبَّاط، حذاء بال) وفزعت إلى كتاب (قاموس ردّ العامي إلى الفصيح) فإذا هو يقول: (شرشحه: إذا عرض عليه أمرا فيه جهة للإقدام عليه وجهة للإحجام عنه وهو حائر بينهما) هذا المعنى الذي يستعمل العوام له هذه اللفظة في بلد المؤلف، ثم تكلّف لها استعمالا عربيا فصيحا فزعم أنها قريبة من كلمة (الطرشحة) ومعناها في كلام العرب: الاسترخاء .. والحق أن هذه اللفظة -وإن لم يكن لها وجود في المعاجم- عربية الأصل فصيحة الاستعمال، وحقها أن تدرج في مكانها في المعاجم، فإن المعاجم قد فاتها كثير مما نطق به العرب، أو اشتق مما نطقوا به، فهذه اللفظة موجود أصل لفظها ومعناها، أصلها (شَرَح) يقال: شرح الشيء إذا وسَّعه، وشرح اللحم إذا قطَّعه، فدخلت الشين بين الراء والحاء زيادة في اللفظ لزيادة المعنى، والشين حرف تفشٍ وتوسع، والأفعال الرباعية المشابهة التي فيها معنى التكرار والسعة يماثل فيها الحرفان الثالثُ والرابعُ الأولَ والثانيَ، كزلزل، ودندن، وجلجل، وصلصل تدل على حصول الشيء مرتين فأكثر، بآية ما دل عليه اللفظ الذي يحكي صورة المعنى، فإذا كان اللفظ لم يتكرر فيه اللام كـ (شرشح) فإنه يدل على تداخل فعلين وإدماجهما في لفظ واحد لمعنيين متقاربين، ومعنى (شرشح) في الاستعمال الشائع اليوم هو معنى كلمة (شرح) الذي ذكرته آنفا مع زيادة في معناه؛ لزيادة مبناه، واعلم أن حرف الحاء إذا كان في الكلمة -لاسيما إذا كان في آخرها- دليل من أدلة البراءة من العجمة، وأما الفرشخة فمعناها في اللغة: السّعة، وهو موافق للمعنى الشائع، وأكثر ما تطلق على المباعدة بين الرِّجلين في المشي والجلوس.
¥