تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والذي يقوي هذا، أن المعركة حصلت بالقرب من مكانين لا زالا معروفين في فلسطين هما (جنابة الشرقية، وجنابة الغربية، تقعان بالقرب من قرية (المجوّر) في قضاء الخليل (انظر المخطط المرافق). والأقوى أن المفرد مذكر وهو جناب بتشديد النون، ولا يستبعد أن يكون الاسم (أجنادين) تثنية (أجناب) ذلك أن الشاعر الصحابي الذي شارك في المعركة، قال شعراً جاء فيه:

ونحن تركنا أرطبون مطرداً إلى المسجد الأقصى وفيه حسور

عشية أجنادين لما تتابعوا وقامت عليهم بالعراء نسور

والبيتان من البحر الطويل، ويستقيم الوزن إذا وضعنا (جنّابين) أو (أجنادين) مكان (جنادين).

- بقي افتراض أخير في اسم (أجنادين) وهو أن تكون تحريفاً لاسم (أجيادين) تثنية (أجياد) لعل العرب لاحظوا وجود جبلين في ذلك المكان، فأطلقوا على كل واحد اسم (أجياد) تشبيهاً لهما بجبلي مكة (أجياد الكبير، وأجياد الصغير)، وهو أقوى في تعليل الاسم من (أجنادين) ولكنه يأتي في الدرجة الثانية بعد (جنّابين) أو (أجنابَيْن) لأن الأخير لا زالت آثاره موجودة بلفظها، إلا إذا ثبت أن المكانين الموجودين اليوم، كان اسم أحدها (جنادة) ثم تحرف فيما بَعْدُ .. وعلى كل حال فإن هذا التحليل يقدم لنا دليلاً على أن الاسم (أجنادين) ليس مرتجلاً، لمعنى في المكان، وإنما هو تثنية لمكانين موجودين حصلت المعركة بجوارهما، والله أعلم.

- أما المكان الذي وقعت فيه المعركة، فيمكن تحديده بأشهر معالمه، وهو قرية عجّور في شمال غرب مدينة الخليل، وفي نهاية السفوح الغربية لسلسلة جبال الخليل ... ويمر بجوار القرية وادي السَّنط بالنون، نوع من الشجر، الذي يأخذ بجوارها اسم وادي عجوّر .. ويبعد المكان عن (بيت جبرين) بحوالي عشرة أكيال نحو الشمال وفي الشرق من قرية عجّور، تقع خربتا (جنّابة) تسمى أحدهما جنابة الفوقا. أي العليا والأخرى جنّابة (التحتا) أي: السفلى ...

- ولم يكن هذا المكان مختاراً لوقوع المعركة فيه، وإنما اختاره الروم مكاناً لتجميع قواهم التي ينطلقون بها لمحاربة المسلمين ... حيث جمع الروم حامياتهم في جنوب فلسطين، وانضمَّ إليهم مَنْ يساندهم، وانتظروا الوقت المناسب للانقضاض على جيش المسلمين في فلسطين بقيادة عمرو بن العاص، ومن ثمَّ على جيش يزيد بن أبي سفيان في البلقاء، وقد اختاروا هذا المكان للتجمع، لأنه يقع بالقرب من (بيت جبرين) التي كانت عاصمة لأكبر مقاطعة رومانية في فلسطين وكانت تشمل منطقة غزة، وبئر السبع والخليل والقدس والرملة ....

واختاروا هذا المكان بعينه للتجمع أيضاً، لأنه يقع عند ملتقى طرق متعددة، ينتظرون، أن يأتيهم المدد، والموالون منها. - وكانت جيوش المسلمين حينئذ موزعة، حيث خصَّ أبو بكر رضي الله عنه، كل جيش من جيوش المسلمين حين بعثه بقطاع معين من أرض الشام، وكانت فلسطين من نصيب عمرو بن العاص رضي الله عنه، وكانت الإمرة العامة لأبي عبيدة ... وقد يبدو للمتعجل أن في هذا التوزيع تبديداً لقوة الجيش الواحد ..

ولكن خبراء الحروب، يعدون ذلك من الخطط الحربية الحكيمة، فهو بتعدد الجيوش يربك عدوّه من حيث تجهيل مقصد كل جيش عليه، ويشتت تخطيط العدو من حيث توزيع قواته لملاقاة كل جيش منها، ومن حيث اختيار أماكن المرابطة ومواقع الدفاع. في حين يستطيع كل جيش من جيوش المسلمين أن يجد العون من الآخرين سواء بالانضمام إليه، أو بقيامه بعمليات منفردة تضطر الخصم إلى تثبيت قواته أو توجيهها وجهة معينة،. وأبو بكر رضي الله عنه، عندما وجه جيوشه متفرقة قد استطاع تحقيق الصعب وهو المفاجأة الاستراتيجية، لأنه أخفى على العدو نية، وقوة وموعد واتجاه الضربة الرئيسية، وإرسال جيوش فتح الشام بالصورة التي تمت كان من شأنه أن يبرز الشك لدى قادة الروم في نواياها وفي مقصد كل منها .. ويشرح الجنرال أندريه بوفر في كتابه (مدخل إلى الاستراتيجية العسكرية) أهمية الشك عندما يقوم القائد وأركانه بتقدير احتمالات ردود فعل الخصم حتى يتم الوصول إلى تخمينات فيقول: (لا يبرز من خلال هذه التخمينات إلا عامل وحيد ذو قيمة مؤكدة، هو الشك ... لذا لا بدَّ لكل جيش من الجيوش من بذر الشكَّ في صفوف خصمه، حتى لا يسمح له بتقدير نواياه الحقيقية ... - ولكن، كيف اجتمعت جيوش المسلمين مع أنها كانت

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير