وقد حفلت النصوص المتعلّقة بغزوة بدر على الكثير من التقويم والمراجعة والتصحيح، والتي تتعلق بنظرتهم إلى الأحداث وتعاملهم مع القضايا التي واجهوها، ففي قضيّة الغنائم نجد أن الخطاب القرآني كان صريحاً في معاتبة المسلمين على النزعة الدنيوية التي بدرت من بعضهم في هذه الغزوة، قال تعالى: {تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة، والله عزيز حكيم} (الأنفال: 67)، وفي ذلك درسٌ تربويٌ في سمو الأهداف وعظمة الغايات مهما كانت الأحوال والظروف.
وفي قضيّة التعامل مع الأسرى وجّه القرآن الكريم النظر إلى وجوب قتل المشركين وعدم استبقائهم – خصوصاً في المراحل الأولى من المواجهة - حتى تضعف شوكتهم ويذلّ كبريائهم، وأن النزعة الرحيمة التي تملّكت مشاعر المسلمين لم تكن في موضعها.
وفي سياق الغزوة العديد من المشاهد التي تظهر عقيدة الولاء والبراء، وتبيّن أن رابطة الدين فوق رابطة الأخوّة والنسب، ويتجلّى ذلك في موقف أبي بكر الصديق رضي الله الذي أظهر استعداده لقتل ولده المشرك في ساحة المعركة، وموقف مصعب بن عمير رضي الله عنه عندما قال لآسر أخيه " شدّ يديك به؛ فان أمه ذات متاع لعلها تفديه منك "، فقال أخوه: " يا أخي هذه وصاتك بي؟ "، فردّ عليه: " إنه – أي الذي أسرك - أخي دونك " رواه ابن إسحاق وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قضيّة الأسرى: " ولكني أرى أن تمكنني من فلان - قريباً لعمر - فأضرب عنقه، وتمكن علياً رضي الله عنه من عقيل فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان – أخيه - فيضرب عنقه؛ حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين ".
وفي إصرار النبي – صلى الله عليه وسلم – على أخذ الفدية كاملة من عمّه العباس درسٌ آخر في عدم المحاباة أو المجاملة لأحدٍ كائناً ما كان، إذا تعلّقت القضيّة بالدين.
وضرب النبي – صلى الله عليه وسلم – مثلاً رائعا حينما أبدى استعداده للتضحية بأقرب الناس إليه، وذلك عندما اختار من أهله وعمومته للمبارزة.
وتظهر حنكة النبي – صلى الله عليه وسلم – وذكاؤه حينما استطاع تحديد عدد أفراد جيش قريش من خلال كلام الأسير، وهي إشارةٌ أخرى إلى ضرورة جمع المعلومات وتحليلها لتقدير إمكانيّات العدو.
ويُستفاد من الغزوة أيضا: أثر ثبات القائد في ثبات جنوده، خصوصاً إذا كان محبوباً لديهم، لأن الجنود في ساعات الخطر تتوجّه أنظارهم مباشرة إلى القادة، فإذا رأوا منهم بوادر الثقة والطمأنينة والروح المعنوية العالية أثّر ذلك في نفسيّات الجنود بلا شك.
وفي اختيار الحباب بن منذر رضي الله عنه لعين بدر واقتراحه بردم بقيّة الآبار إشارة ذكيّة إلى ضرورة قطع الإمدادات عن العدو، فإن ذلك مما يكسر شوكة الكافرين ويصعب المهمة عليهم.
ونجد في الغزوة أيضا: مراعاة القائد لظروف جنده، فقد أعذر رسول الله – صلى الله عليه وسلم - عثمان رضي الله عنه لظروف زوجته، وأعذر حذيفة بن اليمان ووالده رضي الله عنهما وفاءً بوعد قطعوه بعدم المشاركة في قتال كفّار قريش.
وفيها أيضا: ضرورة تقدير القائد للأدوار التي يقوم بها جنوده حينما أعطى أبا لبابة رضي الله عنه جزءاً من الغنيمة لقيامه بمهمة خاصة في بني عوف، ومثله عبدالله بن أم مكتوم الذي أوكل إليه النبي – صلى الله عليه وسلم – الصلاة بالمسلمين.
وفي قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: (إذا أكثبوكم - يعني غشوكم- فارموهم واستبقوا نبلكم، ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم) رواه البخاري وأبوداود يظهر حسن التدبير العسكري، وذلك حينما أمرهم بالدفاع عن بعد برمي السهام، والاقتصاد في رميها، وسل السيوف عند تداخل الصفوف فحسب.
تلك إشاراتُ سريعةٌ لبعض ما تضمّنته غزوة بدر من فوائد، والحق أن هذه الغزوة بحاجة إلى وقفات أخرى أكثر عمقاً لبعدها التاريخي وكونها ركيزة دعوية مهمّة للعلماء والدعاة والمصلحين.
الرابط: http://www.islamweb.net/ver2/archive...ng=A&id=140176